-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل السابع عشر

 مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل السابع عشر من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل السابع عشر

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية 

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل السابع عشر

عشرة أيام ثقال، عجاف، مروا عليه بغير يسرٍ، لمحة منها جعلته يرتوي بعد لوعة واشتياق، كان كمن يسير في قيظ الصحراء، يبحث عن ماء يطفئ به اللهيب المستعر في صدره، ويبلل جوفه الذي أصابه القحط، فجاءت هي بنسماتها العليلة، ورياحها اللطيفة، لتشيع في روحه السكينة والهناء، ارتوى بعد عطش، امتلأ بعد جوع، ويا له من شعور!

انتبه من شروده المتطلع في حُسن غير متكلف، في جمال غير مبهرج، حين نطقت بابتسامة صغيرة:

-أنا أسفة لو كنت جيت من غير ميعاد ...

وكأن الحروف فرت من على لسانه، حملق فيها بنظراته الهائمة الدافئة، وأصغى بقلب يخفق في سعادة لباقي كلامها:

-بس كنت اشتريت لـ "هاجر" الحاجات اللي طلبتها، وخوفت تتبهدل مني، فقولت أجيبها وأسيبها هنا لحد ما أجهزها للحفلة.

بادلها الابتسام وهو يرد مرحبًا بحرارة لا تعبر عن قدرٍ بسيط عما يسود بداخله:

-إنتي تيجي في أي وقت، ده بيتك يا أبلة.

النظرات التي يمنحها لها كانت إلى حد كبير تشعرها بالألفة، بشيءٍ يتخطى المجاملة بكثير، تغاضت عما تفكر فيه الآن، وردت في تهذيبٍ وهي تخفض رأسها:

-شكرًا ليك.

امتدت يداه لتلتقط عنها الأكياس وهو يستأذنها:

-عنك.

اهتمامه البسيط بها ضاعف من الإحساس الغريب –واللذيذ- المتنامي بداخلها، قالت في حرجٍ وهي ترفع رأسها لتنظر إليه بوجهٍ شبه متورد:

-عشان ماتعبكش.

أصر عليها بتعابيرٍ شاعت فيها المرح:

-ودي تيجي، عيب والله.

قدمت يديها للأمام، فتناول عنها الأكياس وهو حريص كل الحرص ألا يلمس أناملها، رغم ازدياد المشاعر الحسية وانطلاقها في وجدانه، ظل باقيًا في مكانه؛ لكنه تنحى للجانب ليفسح لها بالمرور وهو يدعوها للدخول:

-اتفضلي يا أبلة.

أطرقت رأسها قائلة بصوتٍ شبه منخفض:

-شكرًا.

جاء صوت "هاجر" متسائلاً وهي تشد الحجاب على رأسها:

-مين يا "تميم"؟

أجابها بنبرة عالية إلى حد ما؛ كأنما يؤكد على الرابط العزيز بين الاثنتين:

-صاحبتك الغالية يا "هاجر".

أتت على الفور وهي تهتف مرحبة بوجه مبتسم للغالية:

-وأنا عمالة أقول البيت نور.

دون انتظارٍ احتضنتها وضمتها بكلتا ذراعيها في حميمية عميقة، لتدل على مدى سعادتها برؤيتها، اندهشت "فيروزة" من هذا الاستقبال الحار، وانسلت من أحضانها قائلة بابتسامةٍ لطيفة:

-شكرًا على ذوقك.

جففت "ونيسة" يديها في منشفة صغيرة، وانضمت إليهم متسائلة:

-هو احنا عندنا ضيوف؟

صححت لها "هاجر" بضحكة مسموعة:

-ضيوف مين، دي "فيروزة".

مثل ابنتها انطلقت الأم ترحب بها بنفس الحرارة وأشد، قبلتها من وجنتيها بعشرات القبلات، بعد أحضانٍ أمومية دافئة، وهي تردد:

-يا 300 مرحبا، نورتي يا غالية، ده احنا لازمًا نفرش الأرض ورد ..

تراجعت عنها "فيروزة"، بينما استمرت "ونيسة" في ترحابها وهي تسحبها من ذراعها نحو غرفة المعيشة:

-تعالي يا حبيبتي، اتفضلي، مش هتفضلي واقفة كده على الباب.

حاولت التملص من تلك الدعوات المغرية، واعتذرت بلباقة:

-مافيش داعي، شكرًا ليكم على كرمك ...

ثم وجهت باقي حديثها لـ "هاجر"، ويدها تشير إلى "تميم":

-دي حاجتك اللي كنتي عايزاها.

تهللت أساريرها في سعادة كبيرة، وركضت نحوه لتأخذ أشيائها قائلة:

-الله، بجد؟ ده أنا لسه بأحكي لأمي، وبأقولها دوختها معايا.

علقت عليها "فيروزة" مبتسمة في رقة:

-ده شغلي، مافيش فيه تعب.

صاحت "ونيسة" قائلة بإصرارٍ وهي تشير بيدها نحو الأريكة:

-هتتكلمي على الواقف كده، تعالي ارتاحي من المشوار.

بنفس الأسلوب اللطيف اللبق قالت:

-مافيش داعي، أنا كنت بجيب الحاجة وآ...

قاطعتها في عبوسٍ رافضة التنازل عن دعوتها:

-والله ما ينفع أبدًا، ده أنا لسه عاملة لمون فريش بالنعناع، اسألي "تميم" عنه.

ردت عليها ابنتها تمتدح صنيع يديها:

-ولا أجدعها معصرة، لما تدوقيه هتعرفي.

تلقائيًا اتجهت أنظار "فيروزة" نحو "تميم" الذي أخفض نظراته عنها حين أمسكت به يتطلع إليها، ثم سرعان ما عاودت النظر إلى "ونيسة" التي هتفت تأمر ابنتها:

-هاتيه بسرعة لحبيبتنا.

قالت "هاجر" وهي تومئ برأسها قبل أن تختفي بالداخل ومعها متعلقاتها:

-على طول أهوو.

جلست "فيروزة" على الأريكة، وإلى جوارها "ونيسة" التي ظلت تمنحها من الابتسامة الودودة ما جعلها يشعر بالمزيد من الألفة والمحبة الصافية، في حين ظل "تميم" باقيًا على مسافة بينهما، بالكاد تحرك من مكانه، ربتت والدته على ذراع ضيفتها لتتنبه لها قبل أن تضيف:

-مسافة ما تشربي اللمون يكون الأكل استوى، عشان أجهز السفرة، وتتغدي بقى معانا.

اعترضت عليها بشدةٍ، وقد ظهر الارتباك عليها:

-لالالا، مش هاينفع والله، ده أنا يدوب أنزل.

ارتفع إصبعاها نحو طرف ذقنها، وضعتهما عليها كتعبيرٍ عن انزعاجها، وعاتبتها في تذمرٍ:

-يادي العيبة؟ تنزلي كده من غير ما نقوم معاكي بواجب، والله عمك الحاج يزعل مني.

عضت على شفتها للحظةٍ قبل أن تنطق:

-وقت تاني معلش.

عادت "هاجر" إليهم وهي تحمل صينية تضم كوبين زجاجين من عصير الليمون الطازج، قدمت الكوب الأول للضيفة العزيزة، قبل أن تقدم الآخر لشقيقها الذي رمقها بنظرة غامضة غير راضية عن هذا التصرف العبثي المقصود منها، بطرف عينه التقط التفات رأس "فيروزة" نحوه، حتمًا كانت تتابع خطوات شقيقته، وربما أحرجها ذلك بشكلٍ ما، شتت "تميم" نظراته عن شقيقته لينظر إلى والدته التي هتفت في استنكارٍ:

-شوفي صاحبتك يا "هاجر"، عايزة تنزل كده من غير ما نضايفها!

بررت لها "فيروزة" سبب رفضها على الفور:

-والله عشان الحاجة متتبهدلش أنا جبتها على طول على هنا، مرة تانية.

أمام إصرارها اضطرت "ونيسة" ألا تضغط عليها، وسألتها في تجهمٍ:

-طب اشربي اللمون، ولا ده كمان لأ؟

قالت مبتسمة في رقةٍ:

-حاضر.

ثم رفعت الكوب إلى شفتيها لتتذوق أشهى عصير ليمون لم تتذوق في حلاوته من قبل، لم تنكر أنه جاء في وقته فجعلها تنتعش، عفويًا اتجهت عيناها نحو "تميم" وشقيقته تخاطبه:

-ما تتفضل يا "تميم"، ده اللمون اللي إنت بتحبه.

هتف في رسميةٍ وهو يرمقها بتلك النظرة المحذرة:

-متشكر يا "هاجر".

لم تستطع "هاجر" منع نفسها من القول؛ لكن بصوت خفيض، وتلك النظرة المتسلية على وجهها، خاصة أن كان يقف مستندًا إلى جوار شجرة صناعية تزين الركن:

-لمون وشجر أهوو.

أعطاها الكوب بعد أن ارتشف منه مقدارٍ قليل، وقال في لهجةٍ رسمية بحتة:

-طيب يامه أنا نازل.

سألته "ونيسة" في دهشةٍ لا تخلو من الاستنكار:

-مش هتتغدى إنت كمان؟

أخرج هاتفه من جيبه، وقال بتعابيرٍ شبه جامدة:

-الحاج "عوف" بيرن عليا، تلاقيه في الدكان دلوقتي، أنا هاروحله.

لاحقته والدته بسؤالها الأمومي المهتم:

-هتنزل على لحم بطنك؟

هز رأسه قائلاً بصوتٍ جاف، ودون أن ينظر في اتجاه "فيروزة" التي كانت تتطلع إليه بتعجبٍ:

-هخلص معاه على طول، وأرجع، مش هتأخر.

اعترضت عليه "هاجر" وهي تومئ بحاجبها:

-بس الأكل هيبرد.

سدد لها نظرة قوية قبل أن يرد:

-هاكله لو كان طوبة ...

لم تبدُ تعابيره لينة وهو يكمل مخاطبًا والدته:

-ده كفاية تعبك في عمايله يا ست الكل.

دعت له الأخيرة بملامح ممتنة للغاية:

-ربنا يوقفلك ولاد الحلال ويراضيك زي ما بتراضيني دايمًا.

في تلك اللحظة تحديدًا، تمنت "فيروزة" أن تحظى بنظرة مهتمة منه، لا تعرف ما الذي أصابها لترغب في هذا، واندفعت تلوم نفسها للتفكير في شأنه أمام عائلته الوقورة، ومع هذا لم تتحقق أمنيتها البسيطة، ولم ينظر إليها، بل انطلق متجهًا إلى الباب ليخرج من المنزل دون أن يودعها مثلما اعتادت أن يفعل، وهذا ما أثار حفيظتها. تبدد ضيقها مثلما تشكل في لمح البصر عندما جلست "هاجر" على الأريكة الجانبية، واستطردت تكلمها:

-فرصة يا "فيروزة" تشوفي المكان وتقولي هنعمل إيه هنا.

تنحنحت مرددة باقتضابٍ وهي تشدد من قبضتها الممسكة بالكوب:

-أوكي.

...................................................

عند مدخل البناية وجد والده يترجل من سيارة ربع النقل المملوكة لهم، دقق النظر فيه، فوجده يودع السائق بعد أن أعطاه ورقة نقدية زائدة عن أجرته اليومية جراء تعبه طوال اليوم معه، ابتسم لإحسانه غير المنقطع مع الجميع دون تمييز، وانتظر متواريًا عن الأنظار ريثما يذهب السائق ثم تابع التقدم نحوه. اندهش "بدير" من وجوده، وسأله بملامح يملأها الاستغراب:

-رايح فين كده؟

أجاب بعد زفيرٍ سريع:

-الدكان، هستنى الحاج "عوف" هناك.

علق عليه بنفس التعابير الحائرة:

-ما تنزل أما يطلبك، ده لسه في سوق الجملة، أنا كنت مكلمه من 10 دقايق.

ضغط "تميم" على شفتيه مرددًا في حرجٍ:

-معلش .. ده لازم.

تفرس "بدير" في وجه ابنه الواجم، وتساءل مستفهمًا:

-هو في حاجة؟

تردد قبل أن يجيبه بنظرة سريعة للأعلى:

-أصل .. الأبلة فوق عندنا.

لم يستمر "بدير" في طرح أسئلته، وقال بابتسامة رضا تعلو ثغره وهو يربت على كتفه عدة مراتٍ:

-فهمتك، ربنا يكرمك.

أطلق زفرة طويلة يائسة قبل أن يقول بعدها بتعابير يكسوها السأم:

-يا رب.

نصحه والده بوجه ما زال رائق التعبيرات:

-استحمل، فاضل حاجة بسيطة، ماتبوظشهاش عشان قلة الصبر.

قال في تبرمٍ:

-هو أنا عندي إلا هو.

من جديد ربت "بدير" على كتفه يستحثه:

-اتوكل على الله، وربنا يوفقك.

ودّع أبيه، وانطلق سائرًا نحو سيارته المصفوفة في الناحية المقابلة، حانت منه نظرة للأعلى آسفة على الابتعاد عنها؛ لكنه كان مضطرًا احترامًا لما قطعه من وعود، وقلبه ينبئه تلك المرة أن القُرب منها أصبح وشيكًا!

.......................................................

خلال العشر دقائق التالية انشغلت "فيروزة" بتدوين بعض الملحوظات الأساسية في مفكرة ورقية صغيرة عن كيفية إعادة تنسيق المكان بالشكل الذي يسمح لوضع لمسة جمالية فيه، مع توسيعه، ليستقبل عددًا لا بأس به من المدعوين، التفت برأسها للخلف ناظرة نحو الجد "سلطان" الذي هتف مرحبًا بها:

-البدر نزل من السما وموجود عندنا.

أقبلت عليه تسأله:

-إزي حضرتك؟

أجابها مبتسمًا في حبور:

-بقيت أحسن لما شوفتك.

أحست بالمزيد من الدفء والسرور يغمرها، بجوٍ أسري مستقر لطالما رغبت في التنعم به، وجدت نفسها تنحني لتمسك بكفه، وترفعه لفمها لتقبله وهي تردد:

-ربنا يباركلنا فيك.

مسح بحنوٍ على جانب ذراعها، وسألها:

-وإزي الست والدتك وأختك؟ بخير؟

أومأت برأسها وهي تجيبه:

-أه الحمدلله في نعمة.

علق بنفس الوجه المبتسم:

-يدوم يا رب ...

ثم أشار بيده نحو غرفته متابعًا:

-هاخش أكمل قراية في المصحف، أنا قولت أجي بنفسي أسلم لما سمعت صوتك.

شعرت بالغبطة بعد تصريحه، وقالت بابتسامة أشرقت ملامحها:

-ربنا يخليك ليا يا جدي.

رد عليها داعيًا بصدقٍ:

-ويحسن ما بين إيديكي يا بنتي.

....................................................

بخطواتٍ شبه متهادية، سارت متأبطة ذراعه، وباليد الآخرى تناولت آخر قطعة في الحلوى التي ابتاعها لها، استلت ذراعها منه، لتقترب من إحدى حاويات النفاية، وألقت بالورقة بداخلها، ثم عادت إليها متابعة مشيها في صمتٍ يدعو للريبة. نظر "هيثم" إليها بإمعانٍ، قسماتها أوحت أنها تخفي شيئًا ما عنه، قرر عدم تجاهل هذا الشعور المزعج الذي يراوده، لهذا سألها مباشرة:

-مالك يا "هموسة"؟ بقالك كام يوم متغيرة.

أجابت بعد زفيرٍ بطيءٍ:

-مافيش يا "هيثم".

كان غير مقتنعٍ بردها، فلاحقها بالسؤال التالي:

-إنتي مخبية عني حاجة؟

نفت في هدوءٍ، وملامحها ما زالت تعبر عن وجود همٍ ثقيل:

-لا عادي.

ضاقت نظراته متشككًا، واستطرد يخبرها:

-شكلك بيقول غير كده، هو إنتي مضايقة مني؟

نظرت إليه قائلة دون تفكيرٍ:

-لأ يا حبيبي

رد في صبرٍ بدا شبه نافذ:

-أومال في إيه بس؟

وقبل أن تسيء تفسير ضيقه، بادر بالتوضيح:

-مش احنا اتفقنا مانخبيش على بعض حاجة؟

حركت رأسها قائلة وهي تنظر في عينيه:

-أيوه.

رمقها بتلك النظرة اللطيفة وهو يخاطبها:

-ها .. أنا مستني.

ترددت وهي تحاول إجبار نفسها على البوح بسبب انزعاجها:

-بصراحة كده آ.. من كام يوم آ..

لم تجد بدًا من إخفاء الأمر، وألقت ما في جعبتها قائلة:

-حصل إني اتبعتلي منشور على الفيس بوك.

زاد الفضول بداخله، وسألها بلا تعجلٍ:

-ماله يعني؟

تابعت بنظراتٍ ساد فيها القلق:

-عن حد عملها عمل.

هتف في صدمة مستنكرة:

-نعم، عمل؟!!

أكدت عليه:

-أيوه.

علق في عدم فهمٍ:

-إزاي يعني.

تنفست بعمقٍ، ثم طردت الهواء من صدرها، لتقص عليه بالتفصيل ما علمته من صديقتها، بل إنها جعلته يرى ما تم إرساله لها عبر هاتفها، ليتأكد من سبب مخاوفها المبررة. خنقت "همسة" غصة علقت بحلقها تأثرًا بالأمر، وأيضًا بسبب تأثير هرمونات الحمل عليها. مرة أخرى سحبت شهيقًا عميقًا، ولفظته على مهلٍ وهي تخبره:

-وخايفة بقى لأحسن "فيروزة" تشوفه بالصدفة على أي جروب، اللي مطمني إنها بقالها فترة مش بتتابع حاجة عليه، بس وارد تعرف عنه.

حك مقدمة رأسه متسائلاً، وعيناه تحاولان فحص ملامح الوجه غير الواضح نظرًا لوجود عبارات غريبة عليه تفسد إظهار تفاصيله:

-إنتي متأكدة إنها هي؟

ردت بعينين تلمع فيهما العبرات:

-أيوه، هو أنا مش هعرف أختي؟ ده غير إن نفس اللبس كان عندي بس بلون مختلف.

أعاد إليها الهاتف، وتساءل في غيظٍ:

-تفتكري مين ابن الـ (....) اللي ممكن يعمل كده؟

هزت كتفيها قائلة وهي تضع الهاتف في حقيبتها:

-معرفش، أصل احنا مالناش عدوات مع حد يعني، ولا علاقتنا بالناس هناك أد كده، يدوب على أد زيارات سنوية كل فين وفين.

التوى ثغره مغمغمًا بسخطٍ:

-ما جايز يكون البغل قريبك.

برقت عيناها في ذهولٍ، وردت عليه بقلبٍ يدب في خوفٍ:

-احتمال برضوه، بس إيه اللي يخليه يعمل حاجة زي كده؟ ده يبقى ندل أوي.

بنفس النبرة الساخطة علق عليها:

-أنا مستبعدش عنه حاجة، يعني أنا مش عايز أشتمه قصادك.

أراحت "همسة" يدها على صدرها، ودعت في تضرعٍ بصوتٍ خافت:

-ربنا يستر، ويحفظها من كل شر، هي مش ناقصة.

انتبهت لزوجها وهو يقول فجأة مشيرًا بيده نحو إحدى البنايات:

-احنا وصلنا.

دارت بعينيها في المكان، وسألته في حيرة:

-وصلنا فين؟

شبك يده في كفها، وقال وهو يدفعها للسير نحو المدخل:

-تعالي .. دلوقتي هتعرفي.

.................................................................

لم يتعجل صعودها السلم، وتحلى بالصبر رغم الحماس المسيطر عليه، والذي يدفعه لرؤية ردة فعلها حينما تعلم عن المفاجأة التي أعدها لها. بمجرد أن وصل إلى الطابق المنشود، أشار بيده نحو أحد الأبواب الخشبية، نظرت إليه "همسة" نظرة متسائلة، فلم يجبها، وحافظ على عنصر التشويق في مفاجأته، أخرج من يده المفتاح ليضعه في القفل الخاص به ويفتح الباب، ما زال الفضول الممزوج بالحيرة مسيطرًا على زوجته، وألحت عليه:

-ما تقولي يا "هيثم"، احنا جايين هنا ليه؟

دفع الباب بيده، ودعاها للدخول بابتسامة عريضة أبرزت صفي أسنانه:

-سمي بالله كده وإنتي داخلة.

رددت بحاجبين معقودين:

-إيه ده؟

وطأت داخل البهو المعتم كليًا إلا من إنارة البسطة المنتشرة بشكلٍ غير متكافئ، فمد "هيثم" يده ليضغط على المفاتيح الجانبية فأنارته برمته. مسحت بعينيها تفاصيله سريعًا، حيث وجدت بعض أدلاء الطلاء، والعدة المستخدمة معه، بالإضافة لأوراق متناثرة هنا وهناك، ارتفع بصرها نحو الحوائط فوجدت ألوانها فاتحة تبعث البهجة على النفس، استمرت في تقدمها هاتفة بإعجابٍ:

-ماشاءالله، ده إيه المكان ده؟

أغلق باب المنزل، وأخبرها وهو مسلط كل عينيه عليها:

-بيتك يا "هموسة".

التفت كليًا لتنظر إليه بتلك التعابير المصدومة، ورددت في عدم تصديقٍ:

-بيتي؟

دنا منها موضحًا:

-أيوه، ما دي المفاجأة اللي كنت بجهزهالك بقالي فترة.

وضع كلتا قبضتيه على ذراعيها، واستكمل توضيحه بابتهاجٍ لا يمكن إنكاره:

-هي لسه قدامها شوية عقبال ما نخلص الدهان، ونغير كام حاجة، وتكون جاهزة.

قفز قلبها طربًا، وسألته بابتسامة سعيدة للغاية:

-أنا مش مصدقة، بس إنت عملت كده إزاي؟

ما زالت يداه تتحركان صعودًا وهبوطًا على جانبي ذراعها وهو يقول معترفًا:

-الحمدلله القرشين اللي معايا على كام مصلحة قومت بيهم، وربنا بيكرم، ومانكرش جوز خالتي قايم بالواجب معايا، ده غير "تميم" مقصرش الصراحة.

عقبت في امتنانٍ:

-ربنا يبارك فيهم، ناس أصيلة.

عادت لتتأمل أرجاء المنزل مجددًا وهي تخبره:

-بس الشقة أصلاً باين عليها متوضبة.

أجابها بعد لحظة من التردد:

-ما هي كانت شقة "خلود" القديمة، اللي اتجوزت فيها، وآ...

حملقت فيه بقليلٍ من الدهشة، بينما تابع "هيثم" كلامه بحرجٍ:

-بدلتها معاه بيتي القديم، ودفعت فرق بسيط.

لاحظ أمارات الوجوم التي ظهرت على محياها، فسألها في توجسٍ:

-مالك؟

ضمت شفتيها للحظاتٍ وهي تنظر إلى ما حولها، بدت إلى حدٍ ما متحفظة عندما تحدثت أخيرًا:

-مش عارفة، بس مش جايز جوز أختك يكون زعلان إنه باعها، وخصوصًا إنها كانت بيتهم، وآ...

قاطعها موضحًا الأمر ببساطة:

-لا بالعكس، كان مرحب جدًا، لأنها مش ساكن فيها، ومركونة على الفاضي، ده غير إن عنده شقة تانية فوقنا.

تفاجأت من كلماته الأخيرة، ورددت:

-ماشاءالله، ربنا يزيد ويبارك.

لم يرغب "هيثم" في إثارة الماضي بآلامه وذكرياته، خاصة ما يتعلق بشقيقته الراحلة، أراد التركيز على الحاضر، والتطلع إلى المستقبل بكل قوة وإرادة، لهذا تجاوز عن تلك الأحزان، ليسألها مجددًا في ترقبٍ:

-ها إيه رأيك في بيتك المتواضع؟

في البداية كانت ملامحها هادئة، غير مقروءة له، جعلته يشعر بالخوف من احتمالية رفضها؛ لكنها فاجأته حين تبدلت للابتسام والرضا وهي تجيبه:

-دي جنتنا يا حبيبي، أنا وإنت و...

وضعت يدها على بطنها المنتفخ تتحسسه في رفقٍ وهي تكمل:

-والنونو اللي جاي.

وجد نفسه ينحني على بطنها، وكلتا يداه تدوران في حركة دائرية عليها، طبع قبلة حانية عليها، ثم أسبل عينيه نحو زوجته قائلاً بكل ما يعتمر قلبه من فرحةٍ وسرور:

-ربنا يحفظكم ليا ................................... !!

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل السابع عشر من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة