-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الحادى والعشرون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الحادى والعشرون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الحادى والعشرون

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية 

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الحادى والعشرون

 لم تكن هذه معركته ليتخذ صف أحدهم على حساب الآخر، لم يعبأ إن ربح فيها جولة أو حتى خسرها، بدا غير مكترث بكل هذه الترهات، لا يعنيه في هذا التهديد الصريح سوى النجاة ببدنه، خاصة أن من يريدون الاستعلام عن هويته كان مقيتًا، سمجًا، وبخيلاً، لا يملك شيئًا من الصفات المحمودة. بلع المشعوذ ريقًا غير موجودٍ في جوفه، وتطلع إليهما في نظراتٍ متوترة، كرر عليه "شيكاغو" السؤال بلهجةٍ أكثر قتامة:

-ما ترد يا عمنا، هو آ...

لم يمهله الفرصة لإتمام جملته، قاطعه مؤكدًا بإيماءات متتالية من رأسه:

-أيوه هو "فضل" اللي جه عندي ...

سدد له "شيكاغو" نظرة مميتة، بينما استجمع جأشه ليواصل كلامه معترفًا:

-وملحقتش أعمل حاجة، الحكومة عملت كبسة على المكان، واتمسكت.

علق عليه "حمص" في استحسانٍ:

-كده إنت كسبت محبتنا يا عم الـ .. شيخ، أصل بعيد عنك عداوتنا ماينفعش معاها لا عفاريت ولا أسياد.

لوح المشعوذ بيده هاتفًا في توترٍ قلق:

-ابعدوا عني بخيركم وشركم.

لكز "شيكاغو" رفيقه في جانب ذراعه مخاطبًا إياه:

-مهمتنا قُضيت، نستنا المحامي بقى.

هز رأسه قائلاً في هدوء:

-زي الفل.

قهقه "شيكاغو" ضاحكًا، ثم توقف ليقول بنبرة هازئة وهو يدس الشفرة في جوفه:

-على وضعك يا عمنا.

حدجه المشعوذ بنظرة نارية مغتاظة؛ لكنه أثر عدم الجدال مع أمثاله من عتاة الإجرام، وانزوى جالسًا في ركنه يعلن بصوتٍ خفيض:

-الله يحرقك يا "فضل"، قارفني برا وجوا!

اتخذ "حمص" موضعه على إحدى المصاطب الخشبية، وجلس إلى جواره "شيكاغو"، همس الأول في أذن الأخير يسأله في فضول:

-ما إيه رأيك نوجب مع المعلم "تميم"؟ وتبقى بجميلة معاه

ضاقت نظرات "شيكاغو" متسائلاً في اهتمامٍ:

-إزاي؟

وقبل أن يجيبه حذره بوجهٍ غائم:

-بس أوعى توقعنا معاه، المرة اللي فاتت اتنفخنا.

برزت تلك اللمعة الخبيثة في حدقتيه وهو يؤكد له:

-اطمن .. المرادي غير.

.......................................

بعصبيةٍ لم يستطع كبحها، ذرع "تميم" الغرفة جيئًا وذهابًا أمام أنظار جده المراقب له من على مقعده الجالس عليه وهو يخبره تفاصيل ما أطلعه عليه "هيثم"، وما قام به بعد ذلك للتأكد من صحة تلك المعلومات. إلى الآن لم يصله الخبر اليقين، وأصبحت أعصابه على شفير الانفجار، بالكاد توقف "تميم" عن الدوران حول نفسه ليخاطب جده بأنفاسه المنفعلة وهو يضع يديه أعلى رأسه ليضغط على جانبيها:

-مش عارف أعمل إيه يا جدي، هتجنن من ساعتها.

بملامحه الهادئة، ونبرته الرزينة أخبره "سلطان" عن يقينٍ تام، وهو ينظر إليه:

-ولا تعمل أي حاجة، يا ابني لازم تبقى عارف ومتأكد إن مافيش حاجة هتحصل سواء خير ولا حتى شر إلا بأمر ربنا.

هتف في حنقٍ متعاظم بداخله:

-بس ده سحر، وأعمال وآ...

قاطعه الجد كأنما يسأله بوجهٍ مال للتجهم:

-إنت هتصدق أمور الضلال والشِرك بالله دي؟

جاءه رده واضحًا وقد جلس على طرف الفراش ليغدو في مواجهته:

-ما هو السِحر مذكور في القرآن الكريم.

هز رأسه معقبًا بتريث:

-أيوه مظبوط، فين بقى بالظبط؟

تحير "تميم" للحظة في منحه الجواب؛ لكن "سلطان" كان الأسبق في إجابته:

-في كذا موضع، منهم اللي كان أيام سيدنا "سليمان" عليه السلام، وأيام سيدنا "موسى".

أطلق "تميم" زفرة محملة بكل ما يضيق به صدره، فسأله الجد بنفس الصوت الهادئ:

-هل احنا دلوقتي في زمنهم؟

رد نافيًا، وقسماته ما تزال مشدودة:

-لأ، بس في ناس بتلجأ لده عشان تأذي غيرهم، حتى لو كان فيه معصية لله.

انتظر الجد لهنيهة قبل أن يخبره بتعابيرٍ مرتخية وهو يشير بسبابته:

-يبقى لازم تكون متأكد من حاجة واحدة.

سأله على الفور:

-إيه هي؟

أتاه رده ببرهانٍ غير قابلٍ للتشكيك:

-إن ربنا سبحانه وتعالى قال وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ

تطلع إليه "تميم" في صمت، والجد ما زال يؤكد عليه:

-يعني لو الدنيا بحالها كلها اتجمعت عشان تضرك مش هيحصل إلا بمشيئة الله، ونفس الحال لو اتجمعت عشان تنفعك برضوه مش هيحصل ده إلا بإرادة ربنا.

عقب كلماته المطمئنة تلك ارتخت تعابيره بشكلٍ ملحوظٍ؛ وإن لم يهدأ القلب بعد، شدد عليه "سلطان" من جديد:

-فسلم أمرك لله، واستعين بيه، وهو الحافظ المنجي.

تنهد عليًا قبل أن يردد:

-ونعم بالله.

طرقة خفيفة على الباب جعلتهما يديران رأسيهما نحوه، ليتطلعا إلى "بدير" الذي ولج للداخل، واربه خلفه، وألقى التحية على أبيه:

-سلام عليكم، إزيك يابا؟

هز "سلطان" رأسه متمتمًا:

-الحمدلله في نعمة.

وجه "بدير" بعد ذلك كلامه إلى ابنه قائلاً بغموضٍ:

-كويس إني لاقيتك هنا.

تعقدت ملامحه متسائلاً في تحفزٍ وقد نهض من مكانه احترامًا له:

-خير يابا، عاوزني في إيه؟

جلس والده على طرف الفراش، واتكأ براحته على رأس عكازه قبل أن يستطرد موضحًا بما يشبه الأمر:

-من بكرة عاوزك تزود أجرة الواد ابن "مخيمر".

أبدى موافقته متسائلاً في اهتمامٍ:

-ماشي يا حاج، بس ليه؟ هو في حاجة حصلتله؟

بتعابيرٍ شبه حزينة أخبره:

-سمعت إن ظروفه صعب، وابنه الصغير بعافية حبتين، اتحجز في المستشفى، والمصاريف أد كده، وهو رافض أي مساعدة.

ردد "سلطان" داعيًا للصغير الذي لا يعرفه:

-ربنا يشفيه ويعافيه، ويجبر بخاطر أهله.

شدد "بدير" على ابنه بإشارة صارمة من عينيه:

-متحسسوش إنها مساعدة، كلفه بكام مشوار لحبايبنا اللي بيكرمونا لما نبعتلهم حد من طرفنا، وإديله تكلفة المشوار على اعتبار إنه مشوار بعيد، فاهمني؟

قال "تميم" دون تفكيرٍ وهو يضرب بيده منحنى عنقه عدة مرات، كنوعٍ من التأكيد:

-من غير ما توصيني يابا، في رقبتي.

ضم "بدير" كفيه معًا فوق رأس عكازه، وأخفض وجهه متابعًا في نبرة محملة بالأسى:

-أصعب حاجة على الأب إنه يبقى حاسس بالعجز ومش قادر يعمل حاجة، وخصوصًا مع عياله.

رد عليه "سلطان" بحكمةٍ:

-معاك حق، بس زي ما في الشقيان، في الظالم اللي بيستخسر القرش في عياله، بخلان على نفسه وعلى أهل بيته، حارمهم من رزق ربنا اللي بيبعته عن طريقه ليهم، وناسي كلام النبي عليه الصلاة والسلام "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت".

هتف "بدير" مناجيًا:

-ربنا يكفينا شُح النفس، ويجعلنا من عبيد الإحسان.

أمن أباه عليه مبتسمًا لرؤية حصاد تربيته الطيبة في ابنه وحفيده:

-يا رب.

نهض "بدير" من مكانه، وربت على كتف ابنه يستحثه:

-يالا يا "تميم"، وخلي جدك يرتاح، إنت سهرته النهاردة.

تذمر "سلطان" باحتجاجٍ لطيف:

-سيبه، هو ليه غيري يشكيلي همه؟

استثارت عبارته الأخيرة حفيظته، فتركزت كامل أنظار "بدير" على ابنه، وسأله مباشرة:

-في حاجة مضايقاك؟ قول.

رد نافيًا وقد أحنى رأسه على صدره:

-لأ يابا، كله تمام والحمدلله.

لم يبدُ مقتنعًا برده، وسأله دون أدنى محاولة للمراوغة:

-الموضوع إياه صح؟

حمحم بخفوتٍ وهو يخبره:

-أنا صابر ومستني.

منحه ربتة خفيفة على كتفه قبل أن يتكلم:

-ربنا هيراضيك .. هانت.

طرد زفيرًا ثقيلاً من صدره، ودعا برجاءٍ شديد:

-يا مسهل الحال يا رب.

شارك الجد في الدعاء له بابتسامة وقورة:

-ربنا يرزقك الراحة عاجل غير آجل، وتيجي تشكيلي هم الجواز بعد كده.

هتف ممازحًا في يأسٍ:

-أجربه الأول طيب قبل ما اشتكي.

ضحك "سلطان" قائلاً، وهو يرمقه بتلك النظرة:

-هيحصل.

............................................

ما إن طلع النهار، حتى ارتدت ثيابها، واتجهت إلى دكانها، لتبدأ في عملها مبكرًا، تأكدت من لصق كل فصٍ من فصوص اللؤلؤ اللامعة في منتصف كل وردة على حدا، باستخدام مسدس الشمع، لتبدو الباقة البيضاء في النهاية متناسقة، وجاذبة للأنظار، حين تمسك بها العروس بيدها. ألقت "فيروزة" نظرة سريعة على "علا" الواقفة إلى جوارها عند الطاولة التي تعمل عليها، تحدثت إلى رفيقتها مرة أخرى، بعد أن انكبت بوجهها على الباقة:

-بعد كتب الكتاب هاعمل افتتاح المحل بأمر الله.

علقت ساخرة منها بابتسامة صغيرة:

-يا بنتي إنتي بتقولي كده على طول، ومافيش حاجة بتحصل.

بعد تنهيدة سريعة أخبرتها:

-هعمل إيه بس، مش بإيدي، إنتي شايفة الظروف.

حافظت على نعومة ابتسامتها وهي ترد:

-ربنا يعدلهالك، واعملي حسابك هاجيب الزباين بتوعي عندك.

زوت ما بين حاجبيها متسائلة في استغراب:

-ليه؟

تطلعت إليها بنظرة متعجبة قبل أن تردد:

-مش قولتلك هصفي المحل، صعب أشتغل بعد الجواز، وخصوصًا إن "وجدي" احتمال كبير يتنقل.

أظهرت "فيروزة" بسمة لطيفة وهي تعلق:

-ربنا يسعدكم يا رب.

غمغمت "علا" بنبرة موحية، وقد تحولت نظراتها لنظراتٍ ثعلبية ماكرة:

-أما عندي ليكي خبر بقى طازة.

لم تكن مهتمة إلى حدٍ كبير وهي ترد متسائلة بفتور:

-إيه؟

مالت عليها ليبدو صوتها قريبًا من أذنها، ومفعمًا بالتشويق عندما قالت:

-أخويا الموقر بيحب.

شهقت "فيروزة" في ذهولٍ على إثر المفاجأة السارة، ثم تكلمت قائلة:

-بجد؟ مبروك، هو يستاهل كل خير.

غمزت لها بطرف عينها مصححة:

-أنا بقولك بيحب، لسه مافيش خبر إن كان هيبقى في حاجة رسمي ولا لأ.

هزت رأسها مرددة باقتضابٍ، وكأن شأنه لا يعنيها:

-تمام.

اندهشت "علا" من عزوفها عن معرفة التفاصيل، فالسبب ببساطة أنها لا تسعى للتطفل على غيرها، لا يدفعها الفضول مُطلقًا للسؤال عما لا يعنيها، ومع هذا استمرت رفيقتها في استفزازها بمنحها قطعًا غامضة من الأحجية بقولها:

-بس مش هتصدقي، هو بيحب واحدة حبيبتك أوي، وقريبة منك جدًا.

رغمًا عنها استرعى الأمر انتباهها، فتساءلت ناظرة إليها:

-مين؟

تأكدت من كامل انتباهها لها قبل أن تفجر ما اعتبرته قنبلتها المدوية:

-الدكتورة "ريم".

من جديد انفلتت شهقة أخرى من جوفها، ورددت في صدمة:

-مش معقول، بتهزري؟

أكدت عليها "علا" صحة الأمر وهي تنقر بأظافرها على سطح الطاولة:

-لأ طبعًا، ده بجد.

بعد لحظات من السكوت قالت "فيروزة" بما يشبه المدح:

-هي بصراحة إنسانة محترمة، وخلوقة جدًا.

مطت "علا" ثغرها لثانية، وسألتها بعد ذلك بنظرة متشككة:

-إيه مش غيرانة؟

رمقتها بنظرة مدهوشة وهي تجيب عليها متسائلة:

-هغير من إيه؟

ببساطةٍ أخبرتها وهي تهز كتفيها:

-يعني الكل حواليكي عمال يتجوز، مش بتفكري تعملي كده إنتي كمان؟

للغرابة، رنت كلمات "تميم" الأخيرة في ذاكرتها، تلك التي ألقاها في الشرفة على مسامعها، مع استحضارٍ سريع لملامحه في مخيلتها، جحظت بعينيها في صدمة حرجة، وتحاشت النظر إلى وجه رفيقتها، كما لو كان أمرها قد كُشف، لتنفي ذلك التفكير بتعجلٍ يدعو للاسترابة:

-لالالا، أنا مش بتاعة جواز.

حاصرتها "علا" بنظراتها اللئيمة، وسألتها وهي تميل برأسها نحوها لتتطلع إليها عن قربٍ:

-طب عيني في عينك كده؟

تحركت من أمام أنظارها الكاشفة لها، وقالت بلهجةٍ شبه جادة، قاصدة تغيير مجرى الحديث:

-بقولك إيه، أنا عاوزة ألحق أخلص البوكيه ده قبل ما أطلع أدويه للعروسة.

بدت "علا" غير مكترثة بملاحقتها، فقد تطلعت إلى ساعة هاتفها المحمول، واعتدلت في وقفتها لتخبرها بدلالٍ:

-ماشي يا "فيرو"، وأنا يدوب أروح ميعادي مع "جوجي".

استدارت تنظر إليها متسائلة بشفاه مقلوبة:

-"جوجي"؟ ودي مين دي كمان؟!!

ضحكت في مرحٍ قبل أن توضح لها:

-"وجدي"، ما أنا بدلعه.

لم تستسغ ذلك الغنج السمج، واكتفت بالإيماء برأسها وتصنع الابتسام، لتودع بعدها رفيقتها، قبل أن تعاود العمل على الباقة بعقلٍ ما زال مستحضرًا لملامحه، وتلك البسمة الرقيقة تداعب ثغرها.

...........................................

-بردك يامه ريحالهم؟ عملتي اللي في دماغك؟ عاوزة تصغريني؟

صرخ "فضل" بتلك الكلمات في صوتٍ مرتفع، ناقم، وأشبه بالزمجرة موبخًا والدته التي أخذت المال من أبيه، لتقوم بإعطائه لجدة أبنائه حتى تنفق عليهم على حسب ما تم الاتفاق عليه سابقًا. لم يكن راضيًا عما اعتبره مخالفة لأوامره، واستمر في التعامل بحدةٍ وتشدد مع والدته، حدجته الأخيرة بنظرة مستاءة، ثم أخبرته بلين الكلام علَّه يقتنع:

-الناس هتاكل وشنا، مش عايزين فضايح.

هدر بها في انفعالٍ غريب:

-الفضايح لوش البومة اللي مصدقت ترمي نفسها على أول راجل يتكلم عليها ...

ما لبث أن تحول صوته للخشونة وهو يتهمها باتهامٍ سافر:

-تلاقيها كانت دايرة على حل شعرها، وأنا لابس العِمة ومش دريان بريحتها النجسة!!

لطمت "سعاد" على صدرها تحذره في استنكارٍ كبير:

-إيه الكلام ده يا "فضل"؟ كله إلا الأعراض!

لم يخجل وهو يواصل كلامه البذيء:

-بس يامه، إنتي على نياتك، حريم اليومين دول (...).

وضعت يدها على صدغها مرددة في حرجٍ من وصفه الجارح والمهين:

-يادي الكسوف، ماتقولش كده على أم عيالك.

لوح بيده هاتفًا في نقمٍ:

-بلا أم عيالي بلا قرف.

لم تتحمل "سعاد" سماع مثل ذلك الكلام المنفر من ابنها، وقالت حاسمة أمرها وهي تقبض بيدها على حافظة نقودها الصغيرة:

-أنا رايحة عند سِت عيالك وراجعة، مش هتأخر.

ردد من خلفها وهو يتراجع للجلوس على الأريكة:

-إياك ما تلاقيهم.

ما إن سمع صوت غلق الباب حتى عبث بأزرار هاتفه المحمول ليخابر أحدهم، انتظر إجابة الطرف الآخر عليه ليبدأ في تعنيفه بأسلوبه الوقح:

-أيوه يا زفت، ماكلمتنيش ليه تطمني؟ مش قولتلك تعرفني اتفقت مع البت إياها ولا لأ؟

رد عليه الرجل قائلاً:

-آخر النهار هاتكون فضيالك يا ريس.

تجشأ "فضل" بصوتٍ مزعج، وتابع منذرًا إياه:

-أما أشوف .. عارف لو لاقيتك جايبلي واحدة نص لبة، بالله ما هتشوف إلا الوش التاني.

بالطبع لجأ مؤخرًا لمضاجعة بعض الفتيات العابثات لاستعادة هذا الإحساس بالرجولة والفحولة، بعد أن واظب على تناول بضعة أقراصٍ مجهولة المصدر لتحفيز الكامن في خلاياه؛ لكن محاولاته كانت تبوء بالفشل الذريع، فيلجأ لتقريع تلك الماجنات محملاً إياهن الذنب في عدم استثارة حواسه، وإشعاره بالرغبة والانتشاء. انتبه "فضل" لصوت الرجل وهو يخبره:

-عينيا ليك، بس دي أجرتها زايدة حتة.

هتف فيه بحدةٍ ساخطة:

-على إيه؟ ما كلهم نسوان كسر، يحمدوا ربنا إن لاقيين رجالة يعبروهم.

بصوتٍ هادئ تابع كلامه مؤكدًا، كمن يمتدح بضاعته:

-بس دي البريمو.

صاح به بعد أن أصدر صوتًا غير مستحب:

-مستعملة ياخويا، من كل من هب ودب، بريمو على إيه؟!

اضطر الرجل أن يُجمل بضاعته، ويتفاوض معه إلى أن وصلا لاتفاقٍ مرضي للطرفين، حينها أنهى "فضل" المكالمة وهو يشعر بلذة الانتصار، تحولت أنظاره نحو الباب عندما سمع الدقات عليه، وقال وهو يفرك أنفه بسبابته:

-لحقتي ترجعي يامه.

بتكاسلٍ نهض من مجلسه، ليتجه إليه، ويفتحه؛ لكن هبطت الصدمة على رأسه بكامل ثقلها، عندما وجد "تميم" مرابطًا أمام العتبة، ووجهه لا ينم عن أدنى علامات الخير، تدلى فكه السفلي في اندهاش، قبل أن يحركه لينطق، وآثار الصدمة ما تزال حية على تعابيره:

-إنت!!!

أكثر ما يمقته "تميم" في حياته، هذا النوع من البشر الذي يضر ولا ينفع، ويتسبب بشروره في إيذاء الآخرين، ما إن أبصره بسماجته، ووضاعته حتى كور قبضه يده، ضاغطًا على أصابعه بقوةٍ حتى ابيضت مفاصله، وبرزت من شدة الضغط الشرس، ليخاطبه بعدها بزفيرٍ محموم، ونظراته النارية تشمل وجهه البغيض:

-مش أنا قولتلك إدي بالك جيالك؟

سدد له أول لكمة قوية ومباغتة جعلته من شدتها يرتد للخلف في ترنح كبير، قبل أن تلتف ساقه بالأخرى، ويتعثر فاقدًا اتزانه، ومنكبًا على وجهه، ليتبع ذلك قول "تميم" المليء بالوعيد القاسي:

-خد بقى وما تعدش ............................ !!!

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الحادى والعشرون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة