-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل السادس والثلاثون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل السادس والثلاثون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل السادس والثلاثون

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية 

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل السادس والثلاثون

 يومًا بعد يوم، كانت تتأكد من وجود علبة الشبكة -المستأمنة عليها- في الصندوق المعدني ذي القفل النحاسي، قبل أن تلفه بإحدى الملاءات النظيفة، وتعيده إلى مكانه بالرف السفلي في دولاب ملابسها. تركت "فيروزة" لوالدتها العلبة الأخرى الصغيرة لتحتفظ بها منذ أن أخذتها منها في محل المصوغات، تلك التي تضم خاتم الخطبة، وآخر عريض قليلاً يشبه القرط الذي أهدته لها "ونيسة"، بالإضافة لسلسلة خفيفة الوزن، لتكتمل المجموعة، أما العلبة الأخرى فرفضت التفريط بها، وحملت أمانتها على عاتقها إلى أن تعيدها إلى الصائغ مثلما اتفق معها "تميم"، ذاك الأخير الذي اختفى عن المشهد لما يقرب من أسبوع لسبب لا تعلمه.

أغلقت الضلفة بخرقة قماشية صغيرة حتى لا تنفلت كعادتها من مكانها، ثم خرجت من غرفتها متجهة إلى والدتها المتواجدة بالمطبخ .. سألتها الأخيرة في جديةٍ، وهي تدير مفتاح الموقد لإشعاله، قبل أن تضع إبريق الشاي عليه:

-هتخلصي إمتى النهاردة؟

جاوبتها وهي تتجه نحو الثلاجة لتسحب زجاجة مياه قامت بتبريدها بداخلها منذ ليلة الأمس:

-يعني على حسب ما دكتورة "ريم" تقول.

احتجت "آمنة" على ذهابها، فقالت:

-مش فاهمة إنتي لسه بتروحيلها ليه؟ مش الحمدلله إنتي بقيتي أحسن، وزي الفل.

كبت ضيقها من اعتراضها غير المقبول، وأخبرتها بتريثٍ، محاولة ألا تنفعل في الحديث معها:

-أنا برتاح معاها، ومحتاجة استشارتها دايمًا في اللي يخصني، بيتهيألي ده مش مضايق حد في حاجة.

بررت والدتها سبب رفضها للمتابعة في تلك الجلسات غير المجدية من وجهة نظرها:

-أنا عايزاكي تركزي في الجواز، والعريس اللقطة اللي معاكي.

عندئذ خرجت عن هدوئها، ودافعت عن رغبتها العنيدة في نيل العلاج المناسب لها بوجهٍ متجهم بشدة:

-ماما، بلاش الله يكرمك أي كلام من النوع ده، أنا على فكرة كويسة من جوا ومن برا، وأستحق حد كويس يعرف قيمتي ويقدرني، ولو مكانتش شايفة ده صدقيني كان رأيي هيختلف تمامًا.

راحت تعلق في سخافةٍ غير مستساغةٍ لها:

-يا بنتي أنا خايفة على مصلحتك، بنات اليومين دول بيعرفوا يوقعوا أجدعها راجل بحركتين مُحن، وشوية دلع.

النقاش معها لن يجدي بأي حالٍ، لهذا غيرت من الموضوع، وسألتها:

-هي "كوكي" هتفضل عند "همسة" كتير؟

أجابت نافية وهي تأتي بصينية لترص فيها الأكواب الزجاجية:

-لأ.. آخر النهار عدي هاتيها وإنتي راجعة.

اعترضت "فيروزة" على إطالة مدة بقائها هناك:

-طيب، بس مكانش في داعي تسبيها اليومين دول يا ماما عندها، هي "همسة" ناقصة وجع دماغ؟

رمقتها بنظرة غامضة قبل أن تعلل أسبابها:

-أهي تسليها شوية، بدل ما هي قاعدة لواحدها، وبعدين لولا إن جوزها مسافر أنا مكونتش تخليها تبات.

لوت "فيروزة" ثغرها في غير رضا، فأكملت والدتها مشددة في حزمٍ:

-المهم ماتغيريش الموضوع، واهتمي بخطيبك، خليه ملهوف عليكي.

تجاهل كلامها كليًا، وقالت في نبرة متعجلة:

-أنا اتأخرت على المحل، لو ناقصك حاجة كلميني.

أتاها صوتها من خلفها وهي تخرج من المطبخ موبخًا إياها:

-اهربي زي تملي.

حاولت ألا تلتفت لها، وتتجنب الاشتباك معها لئلا تفسد صفو مزاجها اليوم، رأت خالها جالسًا في الشرفة، اتجهت إليه، وألقت عليه التحية في ودٍ:

-صباح الخير يا خالي، عامل إيه النهاردة؟

قال بلعثمةٍ طفيفة وهو يبتسم:

-الحـ..مد لله.

سألته في اهتمامٍ، ويدها تمسح على كتفه في حنوٍ:

-دايمًا يا رب، مش عايز حاجة أجيبهالك من تحت وأنا راجعة؟

رد مبتسمًا في امتنانٍ:

-تسـ..لمي يا رب.

همَّت بالتحرك؛ لكنه استوقفها قبل أن تتابع سيرها مُناديًا:

-"فيــ..روزة"!

استدارت عائدة إليه وهي تردد:

-أيوه يا خالي.

ران إليها بنظرة عطوفة مليئة بالندم، قبل أن يتمتم قائلاً:

-ربـ..نا يخلـ..يكي ليا.

لم تعرف بماذا ترد، فاكتفت بمنحه ابتسامة لطيفة، لتواصل السير بعدها حتى باب المنزل، أغلقته خلفها بمجرد أن خرجت، لتهبط درجات السلم وهي تفتش في حقيبتها عن هاتفها المحمول، نظرت إلى شاشته المظلمة، وغمغمت في امتعاضٍ متذمر:

-مافيش مرة كده يغلط ويتصل بيا؟!!

ثم صححت لنفسها ساخرة:

-هو أصلاً معاه رقمي! هعاتبه على إيه؟

خرجت من مدخل البيت، لتمشي على الرصيف بخطواتٍ شبه متعجلة، وتابعت حديث نفسها المنزعج:

-بس المفروض كان ياخده مني، مش يفضل المدة دي كلها من غير سؤال.

راودتها الهواجس، فتكلمت بغير صوتٍ:

-ولا يكون عامل الحركات دي عشان مانرجعش بقية الشبكة، لأ يبقى مايعرفنيش كويس!

تصلب كتفاها وهي تعبر للجهة الأخرى من الطريق لتواصل قائلة بعزمٍ:

-عمومًا هو هيروح مني فين، مسيرنا نشوف بعض، مش هيفضل مستخبي كتير.

رن هاتفها في يدها، فرفعته نصب عينيها، لتقرأ اسم طبيبتها النفسية عليه، أجابت على اتصالها بحماسٍ:

-أيوه يا دكتورة "ريم"، أخبارك إيه؟

انتظرت لوهلة حتى تصغي لما تقوله، ثم استأنفت:

-تمام، أنا فاكرة كويس، هاجي على الميعاد.

أنصتت لتعقيبها، وعلقت:

-شكرًا على وقتك وذوقك.

أنهت معها المكالمة، واستمرت في سيرها وهي تشعر برغبةٍ ملحة تنبعث من ثنايا نفسها، تستحثها على الذهاب من الطريق الآخر، لتعرج على دكان عائلة "سلطان"، وتتفقد "تميم" هناك، علَّه عند رؤيتها يمنحها هذا الاهتمام المُرضي لها، قاومت رغبتها قدر المستطاع، لتقول في عبوسٍ يشوبه العتاب:

-هو المفروض اللي يدور عليا مش العكس!

عدلت عن تنفيذ رغبتها بصعوبة، وسارت من الشارع المغاير لتنأى بنفسها عن محيط العائلة، وذلك الشوق العجيب إليه يحز في قلبها.

..................................................

انصرفت مبكرًا من عملها، لتلتقي بطبيبتها في الحديقة التابعة للمركز العلاجي الذي تقوم الأخيرة بالإشراف فيه على كبار السن من المرضى، كان المكان مريحًا بشكلٍ كبير لها، اعتادت على التنفيس عن أكثر همومها ثقلاً بتواجدها فيه. جلست "فيروزة" على المقعد المريح، وسحبت الوسادة لتضعها خلف ظهرها، ثم واصلت الكلام بشكلٍ يعبر عن ضيقها:

-أنا بأحس إني مطمنة معاه، بس في نفس الوقت مش عايزة أأقرب منه.

كانت "ريم" جالسة في الجهة المقابلة لها، تراقبها بعينين دارستين لكل ما يصدر عنها، دونت شيئًا ما في مفكرتها الصغيرة، وسألتها بهدوءٍ:

-ليه مش عايزة تقربي؟

تهدل كتفاها في خوارٍ وهي تجيب:

-خايفة.

نظرت إليها بثباتٍ، لتوجه سؤالها التالي لها بنفس النبرة الهادئة:

-خايفة من إيه؟

سحبت نفسًا عميقًا، طردته على مهلٍ، قبل أن تخبرها بترددٍ:

-خايفة أحط ثقتي الكاملة في حد ويخذلني.

لحظة من السكون عمت في المكان، إلى أن تكلمت "ريم" في النهاية لتسألها:

-طب هو خذلك قبل كده؟

لم تفكر وهي تجيبها نافية مصحوبة بهزة من رأسها:

-لحد دلوقتي لأ.

ابتسمت "ريم" ابتسامة عملية، وتابعت متسائلة بتريثٍ:

-وإيه اللي يخليكي ماتجازفيش معاه وتديله الأمان؟

خنقت غصة جارحة لحلقها حين أخبرتها في ألمٍ:

-لأن "آسر" كان كده، زي ما بيقولوا عملي البحر طحينة، لسانه حلو، بيعرف ينقي الكلام، واستحالة لو بتسمعيه تُشكي فيه.

قبل أن تعقب عليها، صمتت "ريم" لما يقرب من دقيقة حتى تهدأ، فقد رأت تأثير الذكرى على ملامحها المتشنجة، ثم عارضت تفكيرها غير الموفق في حذرٍ:

-بس "تميم" غيره نهائي، المقارنة بينهم ظالمة!

لمعت عينا "فيروزة" إلى حدٍ كبير بعبراتٍ خائنة، وهذا الشعور الغريب يؤلمها، ازدردت ريقها بصعوبةٍ، وتنهدت ببطءٍ حتى تثبط من نوبة بكاءٍ وشيكة، لتقول بعدها:

-أيوه، وده محسسني بالذنب، وخصوصًا إني شيفاه بيحاول يرضيني ويريحني، ده تقريبًا ما بيجبرنيش على حاجة.

هونت عليها الأمر بتأكيدها:

-خدي الموضوع ببساطة يا "فيروزة"، مافيش داعي إنك تشيلي نفسك فوق طاقتها.

ردت في ألمٍ:

-غصب عني.

لجأت "ريم" لأسلوبٍ آخر في الحوار معها، فخاطبتها بابتسامةٍ متفائلة:

-يعني نقدر نقول إنه شيء كويس في "تميم"، إنك تقدري تتفاهمي معاه، وتخلقي لغة حوار شيقة بينكم.

هزت رأسها موافقة حين ردت:

-أيوه.

تأملتها "ريم" وهي تخرج من حقيبتها منديلاً ورقيًا لتمسح العالق في أهدابها من دموعها، لتسألها مباشرة:

-"فيروزة"، إنتي لسه مش قادرة تبني الثقة بينك وبينه، صح؟

ساد في نبرتها ندمًا واضحًا وهي تعترف لها:

-أنا بحاول والله، بس غصب عني، هو كمان ساعات بيديني إحساس إني مجرد واحدة عادية، وأوقات تانية بحس إني كل حاجة مهمة عنده.

اللقاءات المنتظمة معه جعلتها تفهم الكثير عن طباعه ومبادئه المتأصلة فيه، لهذا كان من اليسير عليها أن تخبر مريضتها بغير تحيزٍ:

-مافكرتيش للحظة إن دي ممكن تكون طبيعة شخصيته؟ أو البيئة المحيطة بيه بتفرض عليه إنه يتصرف برسمية شوية؟!!

أصغت لها "فيروزة" بانتباهٍ تام، وكأنما تعاود تقييم الأمور من منظورٍ آخرٍ قد غفلت عنه منذ أن اتخذت علاقته بها منحنًا رسميًا، في حين تابعت "ريم" إيضاحها المستفيض قائلة:

-خاصة إن بعض العلاقات في المجتمع الشرقي مرفوض فيها إن الراجل يبين بعض اللطف، أو نقدر نقول نوع من الحميمية البدائية المتبادلة مع الطرف التاني، وده طبعًا قبل ما تاخد الشكل الرسمي ليها.

جاء تعقبيها بسيطًا ومنطقيًا:

-ما احنا مخطوبين.

تركت "ريم" مفكرتها جانبًا، وضمت كفيها معًا وهي تخبرها:

-طيب أنا هفهمك قصدي بطريقة تانية، بس يا ريت تجاوبي بصراحة.

رحبت بهذا الاقتراح، فقالت:

-اتفضلي، أنا جاهزة.

استقامت "ريم" في جلستها، وسألتها في ثباتٍ دون أن تطرف عيناها:

-هل تقبلي إن خطيبك يتجاوز معاكي في تصرفاته سواء في الكلام أو التلميح، وفي بعض الأحيان اللمس؟!!

على الفور تحفزت "فيروزة" في جلستها المسترخية، وغابت عنها ملامح الندم، لتحل علامات النفور والغضب على محياها وهي ترد:

-لأ طبعًا، استحالة أسمح بكده.

ابتسمت وهي تشير بيدها:

-شوفتي، إنتي رافضة النوع ده من استباحة التصرفات في العلاقة ...

هزت رأسها تؤيدها، فأكملت "ريم" تسألها بنفس الثبات:

-طب ليه التناقض ده موجود جواكي؟

عاد التردد يسيطر عليها وهي تقول:

-مش عارفة، حقيقي مش لاقية سبب للي بعمله.

ظلت "ريم" محافظة على ابتسامتها الودودة وهي تسألها:

-ولا ممكن نفسر الموضوع بإنك حابة تحسي باهتمامه أكتر بيكي؟

على ما يبدو أن وجه "فيروزة" قد أصبح أكثر دفئًا مع استحضارها لمشاهدٍ خاطفة من لحظات لقائه بها على مدار الأشهر السابقة، أراحت ظهرها للخلف، وقالت بشرودٍ:

-أيوه، يمكن ده مفتقداه ...

راقبتها "ريم" عن كثب وهي تستفيض في التوضيح:

-أنا بشوف في نظراته ليا كلام كتير عايز يقوله، بس فعليًا ما بينطقش بحاجة، تقريبًا آ...

توقفت عن إتمام جملتها وهي تشعر بنوعٍ من الحرج؛ لكن "ريم" استمرت في الضغط عليها برفقٍ، لتستخرج منها ما تريد معرفته:

-تقريبًا إيه؟

تحاشت النظر إليها وهي تقول:

-يعني بيعاكسني كده بكلام مداري.

ضحكت الأخيرة في وداعةٍ، وأثنت عليه قائلة:

-دي محاولة لطيفة منه.

ردت في اقتضابٍ خجل:

-شوية.

لم تحبذ طبيبتها أن تكون لحوحة في سبر أغوارها، أرادت ألا تستثير دفاعاتها لتلجأ للصمت أو كبت مشاعرها عنها، فأرجأت الحديث عن هذا الموضوع لتنتقل إلى آخرٍ على نفس القدر من الأهمية، فاستطردت تخاطبها في نفس اللهجة المهتمة:

-طيب نتكلم عن الشق التاني في مقابلتنا النهاردة، والدتك.

وكأن الحزن قد وجد طريقه إليها، فرزت علاماته في عينيها، وانعكست في نبرتها حين أردفت قائلة:

-ماما .. تقريبًا واخدة سكة مرات خالي، رغم إني بحاول أكدب إحساسي ده، بس حبها للفلوس بقى مكشوف، دلوقتي بتدور على المادة أكتر من اهتمامها بيا، يمكن في الأول كنتي تحسي بخوفها عليا أنا وأختي، بس معرفش إيه اللي حصل وخلاها تفكر بالشكل ده، وللأسف بيأثر عليا بشكل بشع.

مطت "ريم" فمها للحظةٍ، ثم أمسكت بمفكرتها، وبدأت في التحاور معها بتريثٍ مدروس:

-خلينا نحكي أكتر بالتفاصيل عن المواقف اللي عززت الشعور ده جواكي.

...............................................

يومها الطويل، المزدحم بعشرات الأشياء، انتهى أخيرًا بعد زيارتها القصيرة لتوأمتها، مكثت لما يقرب من الساعة معها، ثرثرت في عدة مواضيع مختلفة، كانت غالبيتها تدور حول "تميم" بشكلٍ مبطنٍ أحيانًا، وبشكلٍ مباشر في الأغلب. ظهر الإرهاق على وجه "فيروزة"، وبدأ يزحف على باقي جسدها، فنهضت واقفة، واتجهت إلى الباب ويدها تسحب "رقية" خلفها، تبعتهما "همسة" قائلة بتعابيرٍ حزينة:

-ما تخليكوا قاعدين شوية، ده أنا ملحقتش أشبع منك يا "فيرو".

وعدتها بلطافةٍ:

-مرة تانية هبقى عاملة حسابي أقضي النهار كله معاكي، مش هيبقى ورايا إلا إنتي ...

ثم ما لبث أن تحولت نبرتها للجدية وهي توصيها:

-المهم خدي بالك من صحتك، ومن البيبي.

ردت بعد زفيرٍ متمهل:

-ربنا المعين.

وكأنها تجد بعض السلوى والتسلية في الحديث مرارًا وتكرارًا عنه، فخفق قلبها وشقيقتها تسألها:

-مقولتيش "تميم" بيكلمك؟

كسا العبوس وجهها وهي ترد نافية:

-لأ.

برقت عينا "همسة" مصدومة، ولسانها يردد في ذهولٍ:

-معقولة!!!!

أوجدت له "فيروزة" العذر:

-هو مش معاه رقمي.

لاحقتها مباشرة بسؤالها التالي، بما يتضمن الاتهام بالتقصير في أمرٍ خطير:

-إيه ده، هو إنتي ماخدتيهوش من يوم ما خرجتوا تجيبوا الشبكة؟

قالت نافية:

-لأ، اتلبخنا في كام حاجة بعدها.

ضربت "همسة" راحتها بالإطار الخشبي للباب، ودمدمت في استياءٍ:

-يادي الحظ الفقر، وهو أصلاً مسافر مع "هيثم"، مشغولين في توريدة كبيرة، يعني مش هيسأل عنك خالص لحد ما يرجعوا.

يا للمصادفة! الآن علمت سبب اختفائه المريب عن الساحة، وهي التي ظنت أنه يتجاهلها عن عمدٍ، ليثير في نفسها مشاعر الغيظ، وربما الغيرة، ندمت لتسرعها المعتاد في استباق الأحكام عليه، وكذلك الظن السيء به. تعقد ما بين حاجبيها، وراحت تخبر توأمتها:

-عشان كده مش بشوفوا نواحي الدكان خالص مع إني بعدي كل شوية من هناك.

رمقتها "همسة" بنظرة عابثة وهي تقول مبتسمة في لؤمٍ:

-أيوه بقى، ابتدينا الحركات والتكات.

تحرجت من اعترافها النزق، وأخذت تبرر لها ببعض الحجج التي لم تكن مقنعة بالقدر الكافي:

-يا بنتي ده عشان بس الشارع مكسر، فبضطر أعدي من قصادهم.

غمزت لها "همسة" من طرف عينها، وقالت في عبثيةٍ:

-وماله، ده خطيبك، وكلها كام يوم ويبقى جوزك رسمي، يعني ادلعي براحتك عليه.

صححت لها "فيروزة" الشق الخاص بعقد القران، فأخبرتها بتعابيرٍ تحولت للجدية في لحظةٍ:

-مش أنا معرفاكي إننا هنأجل شوية.

استمرت في عبثيتها وهي تعلق عليها:

-أيوه، بس جايز تغيروا رأيكم، وخير البر عاجله.

رمقتها بنظرة محذرة قبل أن تشير بإصبعها قائلة:

-إنتي هتعملي زي ماما ولا إيه؟

ارتفعت رنة الضحك في صوتها قبل أن تمتدحه في فخرٍ:

-أه طبعًا، ده المعلم "تميم" على سِن ورمح، مين زيه في المنطقة!

لئلا يظهر شعورها بالغبطة لمجيء الحديث على ذكره، وتنعكس آثاره غير القابلة للشك على تعابيرها، عَمدت "فيروزة" لوضع قناع التجهم على وجهها، وقالت في جديةٍ:

-بقولك إيه، أنا همشي أحسن.

أنهت جملتها وهي تسير على البسّطة متجهة إلى الدرج، وبصحبتها ابنة خالها، ليتبعها صوت "همسة" المودع لهما:

-ماشي يا "فيرو"، باي يا "كوكي".

استدارت "رقية" برأسها ناحيتها، ولوحت لها بيدها قائلة:

-باي باي يا "هموسة".

جاء صوت "همسة" عاليًا بعض الشيء وهي تهتف:

-هستناكي تقوليلي خدتي رقمه ولا لأ.

هبطت "فيروزة" الدرجات بتعجلٍ، إلى أن وصلت عند طابقه، وقفت أمام باب منزله، تجمدت نظراتها لثوانٍ على الكتلة الخشبية، كأنما تريد لعينيها أن تنفذا للداخل، فتشبع النهم الغريب المتفشي في وجدانها، والمُطالب بملء الفراغ الذي أحدثه بغيابه القاسي، أخذت تسير بتباطؤ، كأنما تستصعب الابتعاد عنه حتى أصبحت على السلم من جديد، وهذا الصوت المستنكر يصرخ في طيات عقلها:

-مش لما أشوفه الأول، للدرجادي قادر يغيب عني ....................................... !!!

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل السادس والثلاثون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة