-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الرابع والستون

مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الرابع والستون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال محمد سالم .

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الرابع والستون

إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية 

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم

رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم - الفصل الرابع والستون

 خلف الأبواب الموصدة، وعلى متكئٍ بعينه، حين يلتقي الجسد بوليفه المكمل له، وتعانق الروح مثيلتها، فإذ بالجليد ينصهر، والفوارق تتلاشى، حتى الحواجز تتكسر وتنمحق، عندئذ يصبحان ككيانٍ متحد، تجمعهما المودة والرحمة، ويزداد ما بينهما عمقًا! انزوت "فيروزة" في أحضان زوجها، يحتضنها من ظهرها، ويضمها بذراعيه إلى صدره، وهما ينامان متجاوران بالفراش، شعرت وهي تتململ داخله، بمدى التجاذب بينهما، باشتعال شرارة الحب كلما ظنت أنها ستخبو بلقاءٍ حميمي، كانت اللهفة تتجدد قبل اللقاء، وتتحول لنوعٍ من الدفء المغري بعد الامتلاء.

لم يكن ما يمارساه معًا عنفًا بغيضًا يدعو للنفور والهجر في الفراش، بل هي مناوشاتٍ لطيفة، ومداعبات شقية، تستثير الحواس الكامنة، وتستحث الخلايا المقاتلة، على الاستسلام طواعيةً، والتخلي عن الدفاعات الحصينة، للاستمتاع بما شرعه المولى وأحله بين الزوجين. رجفة لذيذة أصابت جسدها حينما ارتفعت ذراع "تميم" للأعلى لتمسد على شعرها بحنوٍ، وصوته يهمس في أذنها متسائلاً:

-مبسوطة؟

أجابت مبتسمة في رقةٍ، رغم يقينها أنه لن يرى تعابير وجهها:

-أيوه.

امتدت لمساته الحنون على طول كتفها، وانخفضت نحو ندوبها، قشعريرة أخرى نالت منها جعلت قلبها يرعد وهو يتلمسها بحذرٍ شديد، كأنه يُعاود تشكيلها على طريقته، ذابت مع سحر اللمسات، وانتشت مع تأثير حرارة الأنفاس على جلدها، سرعان ما خفت حركة يده عندما باغتته متسائلة في رنةٍ من العتاب:

-بس ماينفعش كل مرة تعمل معايا كده ...

توقف عما يفعل، وانتبه لها كليًا وهي تكمل بضيقٍ محسوسٍ في صوتها:

-أنا بحس بقلة قيمة ليا، وخصوصًا أنا مش عيلة صغيرة!

ارتفع عنها مرة واحدة لينظر إليها بعد أن شعرت به يتصلب مشدوهًا، التفتت ناحيته، واستلقت على ظهرها، لتكون الرؤية واضحة ومباشرة، وجدت علامات الجدية مطبوعة على ملامحه قبل نظراته المسلطة عليها. أخبرها "تميم" دون أن يرف له جفن:

-أنا عمري ما أقل منك، ولو في حاجة بتضايقك مني يبقى بلاش منها من الأساس.

صححت له بتوترٍ ملحوظ:

-مش قصدي، بس أنا مش عايزة ده يكون الأسلوب بينا دايمًا.

لانت تعابيره المشدودة، وخاطبها بودٍ وهو يرسم ابتسامة صغيرة على محياه:

-حبيبتي .. كل يهمني إنتي وبس، وأنا كان كل غرضي أناغشك، وأهزر معاكي، وزي ما قولتلك اللي يضايقك مش هعمله.

تدللت عليه، وامتدت يداها لتتعلق بعنقه، ثم غازلته بنظرة شبه عابثة:

-مش أوي .. بس بالراحة عليا.

أحنى رأسه على وجهها ليلثم شفتيها بخاصته، وأعطاها قبلة رقيقة مشوقة وفي نفس الآن معتذرة، قبل أن يتراجع عنها مفصحًا أيضًا بهذا:

-حقك عليا.

استغلت الفرصة لتعاتبه مرة ثانية عما بدر منه، فأضافت:

-طب ووقفتك مع الست إياها؟

ضحكت عيناه، وقال باسمًا بطريقة باعثة على الإغواء:

-مافيش واحدة غيرك تملى عيني، حتى لو كانت مين .. وبعدين حد يبقى معاه القمر ويبص فوق في السما؟!

أشعرها ذلك بالرضا التام عن حالها، فانتعش قلبها، وفاض بما امتلأ به من سرورٍ عظيم. قبلة أخرى منحها لها، قبل أن ينهض عنها هاتفًا:

-قومي يا حبيبتي غيري هدومك وخدي دش، عشان تبقي على راحتك.

التفكير في مغادرة الغرفة الآن، بعد نوبة الحب المتجددة بينهما كان مستحيلاً بالنسبة لها، أخفت وجهها خلف كفيها، وصاحت رافضة بحرجٍ شديد:

-لأ مش هينفع، أهلك هيقولوا عني إيه؟ أكيد فاهمين اللي حاصل بينا.

ابتسم قائلاً في هدوءٍ، رغم رغبته العارمة في الضحك:

-متقلقيش ده بيتك التاني.

أمسك "تميم" بمعصميها ليبعدهما عن وجهها، وأصر عليها:

-قومي يالا، محدش هيقولك حاجة.

قاومته قدر استطاعتها، وردت بعنادٍ:

-مش هايحصل.

اقترح بتلقائيةٍ:

-أشيلك وأخرج طيب؟

هتفت محتجة على الفور، وهي تنكمش على نفسها من شدة حرجها لمجرد تخيل إقدامه على تنفيذ الأمر:

-لأ، إيــــاك!

أرخى قبضتيه عنها، وتركها مستقيمًا في وقفته، ليلح عليها:

-طب قومي من نفسك بقى.

اعتدلت في رقدتها، وسألته بتشككٍ، وهي تجمع بكلتا يديها خصلات شعرها النافرة معًا:

-إنت متأكد محدش هيعلق؟

نظر لها مليًا كأنما يفكر في الأمر، ثم وضع يده أسفل ذقنه، وأجاب متصنعًا الجدية:

-بصي هي أمي هتبصلك وهي بتضحك، وجدي هيرمي كلمتين ينأرزني بيهم، وأبويا احتمال يطردنا، ويقول بيتي الطاهر ده مايحصلش فيه الدلع ده غير وأنا مش موجود.

لم تعرف "فيروزة" إن كانت تضحك، أم تغرق في خجلها أكثر؛ لكن على كل الأوضــاع كانت مبتهجة من حياتها الجديدة، خاصة أنها أصبحت رسميًا جزءًا أساسيًا ينتميي لتلك العائلة الأصيلة. استجمعت جأشها، وراحت تمازحه وهي تمد يدها لتفتح درج الكومود باحثة عما تربط به شعرها المحلول:

-هاقولهم إنت السبب، بتضحك عليا، وتستدرجني.

رد بعبثيةٍ:

-أه صح، بأمارة ما جرجرت لحد الأوضة هنا.

على ما يبدو لم تسمع كلامه الأخير لرؤيتها ما لفت أنظارها بشدة، إنه واحدٌ من مشابك رأسها المفقودة، ذاك الذي يحمل رمز زهرة الأوركيد، التقطته بأناملها، والتفتت دفعة واحدة لتسأله في لهجةٍ يشوبها كل التحير والدهشة:

-المشبك ده بيعمل إيه هنا؟

أمعن النظر فيه، وصمت للحظاتٍ، كأنما يستجمع أفكاره، ليخبرها بعد ذلك بعدم تدقيق:

-أنا لاقيته صدفة زمان، بس مش فاكر إمتي، وسبته في الدرج.

لوهلةٍ ارتبطت الذكرى بحادثة مشاجرته مع "خلود" آنذاك، فنفض الأمر عن ذهنه لئلا يسود التوتر مع زوجته، فتسيء فهمه، إن اعتقدت أنه ما زال مشغول البال بها، انتشلته "فيروزة" من سرحانه السريع باعترافها، وهي تضعه نصب عينيه:

-ده بتاعي

نظر لها مندهشًا وهو يسألها:

-بتتكلمي جد؟

أكدت عليه بلا شكٍ:

-أه والله .. أنا مش فاكرة راح مني إمتى، بس أيام ما كنت شغالة على عربية الأكل كنت بلبسه على طول، ومعاه الطرحة الصغيرة دي.

قالت جملتها وهي تشير إلى منديل رأسها الموضوع في نفس المكان بدرج الكومود، تقدم "تميم" ناحيتها لينظر إلى ما قام بجمعه عن طريق الصدفة، ارتسم على ثغره ابتسامة مغترة للغاية، وأخذ يقول في تعجبٍ:

-سبحان الله، مين كان يصدق إني أجمع كل اللي يخصك ...

نظرت إلى عمق عينيه الصادقتين وهو يواصل مُحادثتها:

-لأ وبعد اللي حصل ده كله، يتقفل علينا باب واحد.

بادلته الابتسام، وعلقت في مرحٍ:

-صدق اللي قال ما محبة إلا بعد عداوة.

شعرت بقبضتيه تستريحان على منحنى خصرها، أعقبها قوله اللعوب الذي نفذ إلى شغاف قلبها كسهمٍ خارق:

-طب تعالي أديكي شوية محبة غاليين من بتوعي.

.........................................................................

مضت الأيام والأسابيع بينهما وكلاهما يزداد قربًا ووفاقًا على نحو جيد، خاصة بعد أن طرقت السعادة باب حياتهما أخيرًا، تبقى فقط شيء بعينه كان ينغصه على نحوٍ مزعج، هذه البلورة التي تتوسط رصة الأطباق الباهضة في الرف العلوي بالنيش، كأنها جوهرة ثمينة يخشى أحدهم التفريط فيها، الغموض ما زال يحاوطها بشكلٍ يدعو للاسترابة. لم يبعد "تميم" ناظريه عنها بسهولة، رغم محاولاته المضنية تجاوز الأمر، وعدم إعطائه الأهمية الكبرى؛ لكنه دومًا يتذكر ارتباطها بهدية من اعتبره –مجازًا- عدوه اللدود.

اليوم أراد حسم هذه المسألة والتكلم معها عنها، فأخذ يرتب أفكاره في رأسه بتأنٍ، كما لو كان يدرس ما المتاح لقوله، وما هو غير المسموح باستخدامه، تجنبًا لنشوب أي مشكلة بينهما قد تمتد آثارها على مدار بضعة أيامٍ، وهذا ما لن يتحمله مُطلقًا! تنبه "تميم" لصوتها المنادي من خلفه:

-الأكل جاهز، تعالى قبل ما يبرد.

استدار متطلعًا إليها وهي ترص أطباق الأرز عند كل جانب، دنا من مكان جلوسه قائلاً ببسمة باهتة نسبيًا:

-تسلمي يا حبيبتي.

نظرت إليه بتفرسٍ، ثم وضعت يدها اليسرى على منتصف خصرها، وأخبرته بتفاخرٍ:

-المرادي بقى الأكل حكاية، هيعجبك جدًا!

رفع حاجبيه في دهشةٍ، وعلق متسائلاً بمرحٍ:

-يعني مش زي الفرخة اللي ماتت غرقانة في الشوربة؟!!

رمقته بتلك النظرة المتحفزة وهي تصغي لتلميحه الساخر عن آخر محاولاتها الفاشلة في طهي الدجاج، صححت له بكتفين منتصبين وهي تشير بيدها:

-هي اللي كانت بايظة وماستحملتش تتطبخ بزيادة حبتين.

هتف مومئًا برأسه:

-معاكي حق، هي فعلاً باظت، وماستحملتش، لدرجة إنها طقت من جنابها، ولحمها فك من العضم.

حمحمت محتجة في غيظٍ متصاعد نسبيًا:

-إنت بتتريق؟ قصدك إني مابعرفش أطبخ كويس؟ ده أنا كل يوم بوصفة شكل.

رد في امتنانٍ:

-كتر خيرك.

عادت لتضيف في نزعة من الغرور:

-مش معنى إن الواحدة في أول جوازها يبقى عندها كام هفوة تتمسك عليها ذِلة.

صدحت بسمة صافية على وجهه وهو يمتدحها:

-لا عاش ولا كان اللي يذلك، كل اللي بيطلع من إيدك حلو.

أصابها الكِبر من ثنائه؛ لكن ما لبث أن تبدل للتجهم وهو يتابع رافعًا كفيه للسماء، كأنما يدعو:

-وربنا يباركلنا في بتوع الديلفري، مش متأخرين عننا الحمدلله، ده تقريبًا بقوا من العيلة.

هددته في نبرة مغتاظة:

-خليك كده اتريق لحد ما ألم الأطباق وماتكلش.

تراجع عن مناكفتها هاتفًا بصوتٍ تتخلله الضحكات القصيرة:

-هو أنا أقدر؟ هاكل وأنا ساكت يا أبلة.

أشارت له بالجلوس وهي شبه عابسة:

-طب اتفضل دوق الفاصوليا وقولي رأيك.

مسح "تميم" مائدة الطعام بعينيه، وامتدح مرة ثانية صنيع يديها رغم عدم تذوقه بعد لأي من مأكولاتها:

-ده كفاية إنك عملاه عشاني.

تبدد كل العبوس من على وجهها، وحل الرضا على تقاسيمه، جلست "فيروزة" تتناول بشهيةٍ ما اجتهدت في إعداده من طعام، ولدهشتها تحسنت كثيرًا عما سبق، وكان المذاق طيبًا! انتظرت بشغفٍ سماع رأيه، وتطلعت إليه بنظراتٍ متلهفة، كمن يترقب إعلان نتيجة امتحانه. بلع "تميم" ما ملأ به جوفه، وأخبرها مبتسمًا:

-الله على الحلاوة، تستاهلي بوسة.

أصابها الكِبر مجددًا، وتساءلت في لؤمٍ، وهي لا تقاوم اتساع بسمتها السعيدة:

-بوسة واحدة بس؟

قَهقه ضاحكًا، ثم قال:

-دستة بحالها، وإن شاءالله ما حد حوش.

شاركته الضحك، وتناول معًا الطعام وهما يتسامران تارة، ويمزحان تارة أخرى، إلى أن فرغا كليًا منه. تعاون "تميم" مع زوجته في جمع الصحون المتسخة، والأطباق المليئة بالبقايا، ونقلها إلى المطبخ لتقوم بتنظيفها، فكر لوهلةٍ في اقتناص فرصة مزاجها الرائق، وسؤالها عما يؤرق تفكيره، لذا استطرد مُمهدًا بتريثٍ شديد الحذر، وهو يزيح البقايا في سلة القمامة:

-إيه رأيك لو غيرنا مكان النيش؟

سألته دون أن تنظر إليه، لانشغالها في غسل الصحون:

-هنحطه فين؟ ما احنا من الأول قولنا ده المكان المناسب ليه.

أخبرها بلمحةٍ من التردد:

-من باب التجديد.

قالت معترضة بلا تغيير في نبرتها:

-هو احنا لحقنا؟

بلع ريقه، وتابع بحذرٍ واضح:

-أصل أنا شايف إنه عامل زحمة على الفاضي، ومضيق المكان، ومعظم الحاجات اللي فيه مالهاش لازمة.

استدارت "فيروزة" لتواجهه، وقالت بمرحٍ تشوبه الجدية:

-ده إنت ممكن تفرط في أي حاجة، إلا اللي موجود في النيش، ده ثروة قومية.

أدرك أن المراوغة معها لن تجدي نفعًا، سيظل يلتف ويدور حول ما يريد السؤال عنه، ولن يصل في الأخير لنتيجة مفيدة، لهذا تساءل مباشرة دون احترازٍ:

-هو صحيح البلورة اللي إنتي حاطها فيه دي شارياها؟!!

ضاقت عيناها باسترابةٍ واضحة، وسألته في صوتٍ متشكك دون أن تمنحه الجواب الذي يتحرَّق لسماعه:

-هي مش عجباك ولا إيه؟

سكت للحظاتٍ معدودات، يفكر فيما سيخبرها به، التحايل، وتجميل الحقائق لم يبدُ مناسبًا بعد أن حُصر في الزاوية، زفر مليًا قبل أن ينطق أخيرًا:

-أصلي ملاحظ إنك على طول بتلمعيها، وخايفة عليها، على عكس أي حاجة تانية.

لفتت انتباهه قائلة بوجهٍ غرق في الجدية:

-على فكرة مش لوحدها بس، كل اللي في النيش بلمعه أول بأول عشان التراب.

أعاد تكرار سؤاله عليها بشكلٍ أوضح:

-إنتي شرياها ولا هدية؟

أوجزت في ردها، فقالت:

-هدية!

غامت تعابيره بشكلٍ مفاجئ، وبدت نظراته أكثر ضيقًا عما مضى، فاضطرت أن تكمل:

-دي هدية من "كاران"، جبهالي تذكار قبل ما أسافر وأرجع على هنا.

لم يستطع إخفاء ردة فعله المستاءة وهو يعقب في اقتضابٍ شديد:

-كويس.

أكدت عليه بتوجسٍ وقد رأت ما أصابه:

-على فكرة هي مجرد حاجة عادية.

ادعى انشغاله بإكمال إفراغ البقايا من الأطباق، وقال:

-تمام.

لم تقتنع "فيروزة" برده أبدًا، شعرت بوجود ضغينة ما في صدره لوجود ما يربطها بالماضي الذي جاهدت لتجاوزه، وإن ادعى العكس، لهذا حسمت رأيها، أغلقت الصنبور، وجففت يديها بتعجلٍ في المنشفة المعلقة على مقبض أحد أدراج المطبخ، وأخبرته وهي تتحرك من مكانها نحو الخارج:

-"تميم" لو البلورة دي هتعمل مشكلة بينا أنا ممكن أشيلها، وأعينها في أي مكان تاني.

ناداها من ورائها لتقف:

-"فيروزة"!

لم تصغِ إليه، وتابعت مشيها المتعجل قائلة بتصميمٍ:

-لأ خلاص، مالوش لازمة وجودها.

اعترض على قرارها رغم ضيقه:

-استني، طالما دي هدية عادية.

فتحت ضلفة النيش، وشبت على قدميها لتتمكن من الوصول إلى الرف العلوي، ثم التقطتها من مكانها، وهي لا تزال تتكلم في تحفزٍ:

-وعلى إيه أجيب لنفسي وجع الدماغ.

نظر إليها في صمتٍ بعد أن لحق بها، فاستمرت في مخاطبته بعزمٍ:

-أنا هبقى اديها لـ "رقية" تلعب بيها.

استحسن الفكرة، وارتخت تعابيره المتجهمة، وضعت "فيروزة" البلورة على الطاولة، وتقدمت ناحيته تسأله في جديةٍ، وكامل نظراتها المتحققة عليه:

-ها مبسوط كده؟

تقوست شفتاه عن بسمة عذبة وهو يخبرها بصدقٍ لم تشكك فيه أبدًا:

-أنا مبسوط عشان إنتي معايا.

وقفت قبالته تطالعه عن قربٍ، فراحت يداه تداعبان جانبي ذراعها صعودًا وهبوطًا قبل أن تستقر عند خصرها، ضحكت من دغدغته الخفيفة على لحمها، وقالت في دلالٍ:

-بتعرف إزاي تخليني أعمل كل اللي إنت عاوزه.

قربها من خصرها إليه، هاتفًا في صوتٍ يحوي الرغبة في طياته:

-وأنا مش عاوز إلا إنتي.

دفعته بكفيها من صدره لتمنعه من جذبها إلى أحضانه قائلة بجديةٍ:

-طب حاسب عشان المواعين.

ثم تجاوزته سائرة بغنجٍ، فدقق النظر في تفاصيلها المشوقة معلقًا بتوعدٍ:

-ماشي، بس لينا لقاء بالليل يا أبلة.

ضحكت في استمتاعٍ قبل أن تدير رأسها وترمقه بتلك النظرة الماكرة، لتتكلم بعدها بجملة موحية:

-أنا out of service

فهم من تلميحها المتواري أنها في فترة إجازة إجبارية نظرًا لقدوم زائرتها اللطيفة، فصاح متذمرًا باستياء طفلٍ حانق:

-تاني؟! هو أنا بلحق!

هزت كتفيها مدعية قلة حيلتها، قبل أن تقول وهي تزيد من اتساع ابتسامتها المتسلية:

-الأيام بتعدي بسرعة بقى، هعملك إيه؟

كور قبضته، ولكز بها في ضيقٍ سطح المائدة متابعًا صياحه المغتاظ:

-طول عمري نحس، ومبصوصلي في الشوية الحلوين اللي بقعدهم معاكي.

ارتفع صوت ضحكاتها الرنانة وهو يقف في مكانه يلوم حظه العثر الذي يمنع –اضطراريًا- اقترابه الشغوف منها.

............................................................

سحابة وراء أخرى انطلقت بكثافةٍ من جوفه، وانتشرت في سماء الغرفة، لتعبقها كذلك برائحة الدخان الخانقة، غير مكترث بسعاله المتحشرج والمتتابع جراء ما يدخنه بشراهةٍ من مادة الحشيش. حكَّ "فضل" بطرف المبسم ذقنه، وراح يفكر مع نفسه بغير صوتٍ، والشرر ينتفض من حدقتيه الحمراوتين:

-طبعًا إنتي غرقانة في العسل أديلك كام شهر مع الدغوف، وشوية وهتطلبي القرشين اللي باقيين معايا، وأبقى أنا طلعت من المولد بلا حمص.

احتقنت نظراته أكثر وهو يواصل حديث نفسه البغيض:

-لا نافع معايا شغل، ولا حريم، ولا حتى الهوا.

سحب نفسًا آخرًا لفظه ببطءٍ من بين شفتيه، وتكلم في نفسه:

-وشوية الأونطة اللي عاملهم على الناس عشان أطلع منهم بقرشين مسيرهم كمان يتكشفوا

شرد مجددًا في الترهات التي يسمعها هنا وهناك على ألسنة أهل بلدته، وكلها تنال منه، وتنهش في البقايا المتبقية من كرامته المهدورة، وسمعته الملطخة، تلك التي أفسدها عن عمدٍ بجريرة أفعاله، لم يحمل نفسه اللوم أبدًا، وألقى بكل أخطائه عليها وحدها؛ كأنما هي المحفز الرئيسي لارتكابه الموبقات، والوقوع في الأزمات. كز على أسنانه مدمدمًا في وعيدٍ:

-لازم أخرب عليكي حياتك، أمرر عيشتك وأسودها.

برقت عيناه بشيءٍ مخيف، لا يظهر إلا شرًا شديد الخبث، أتبعه قوله المغلف بالعزم:

-مافيش إلا كده.

التوى ثغره ببسمة منتشية، وقال في تشفٍ، وبقلبٍ يملؤه السواد الأشد:

-إياكش يكون فيها موتك، وأبقى خلصت من فلوسك، وشفيت غليلي بالمرة.

..........................................................

في بقعة معتمة بالمجهول المحاوط بها، دارت حول نفسها في دوائر عشوائية باحثة عن بصيصٍ من الضوء، لعلَّها وسط هذا الظلام المخيف تهتدي إلى طريقها، زاد دبيب الرعب في قلبها، وبدأت في تلمس مسارها حين سمعت همهمات غير واضحة تأتي من منطقةٍ قريبة منها. دققت "همسة" النظر في الظلال المبهمة، محاولة تبين ما تراه، انقبض قلبها بشكلٍ مخيف، وأحست ببرودة قارصة تضرب أوصالها، قاومت على قدر المستطاع هذا الشعور المفزع المتسرب إليها، وتابعت السير الحثيث؛ لكن عند منطقة ما يتخللها إنارة باهتة، انفرجت شفتاها عن صرخة غير مسموعة، خاصة عندما رأت توأمتها تركض هاربة من كلب أسود اللون، متوحش الأسنان، كان يُطاردها، صرخت مجددًا تناديها:

-خدي بالك يا "فيروزة"، ده جاي وراكي.

حاولت الوصول إليها؛ لكن كان هناك ما يعيق قدماها، ويمنعها عن الحركة، كأنما قد أصابها الشلل، فراحت تلوح لها بذراعيها، وصوتها المحذر يجلجل في الفراغ الممتد إلى ما لا نهاية:

-حاسبي يا "فيروزة"، ده بيقرب منك!

لم تصلها تحذيراتها الهادرة، وانقض الكلب الشرس على توأمتها ناهشًا قطعة من لحم ذراعها، وصراخ الأخيرة يرن صداه المفزع في الأجواء، التاعت "همسة" للمنظر الشنيع، وأخذت تولول مستغيثة:

-الحقونا، حد يغيت أختي.

أبقت ناظريها على شقيقتها وهي تتصارع مع هذا الكلب، وصوتها لم يتوقف عن النداء وطلب النجدة حتى بح وانقطع في الأخير، عندئذ انتفضت "همسة" مستيقظة من نومها العميق منادية بلهاثٍ منفعل:

-"فيروزة"!

أفاق "هيثم" على صوتها الصادح ليلاً، وتقلب على جانبه لينظر إليها بنصف عين متسائلاً بصوتٍ ناعس:

-في إيه يا "همسة"؟

دعك عينيه قليلاً، ليتمكن من رؤية ملامحها وسط عتمة الغرفة، كرر سؤاله عليها:

-إنتي كويسة؟

أجابته وهي تنير المصباح الملاصق لفراشها:

-أيوه، بس شوفت كابوس مخوفني.

أطبق "هيثم" على جفنيه مانعًا الضوء من إزعاج حدقتيه اللاتين لم تعتادا بعد عليه، وقال بتثاؤبٍ:

-استعيذي بالله، ونامي.

أرجعت "همسة" ظهرها للخلف، وخاطبته بتخوفٍ:

-أنا قلبي مقبوض، حاسة إن في حاجة هتحصل لأختي.

نفخ في ضيقٍ، وسحب الغطاء على كتفه متسائلاً بتذمرٍ:

-إنتي مش كنتي معاها النهاردة، وكانت كويسة؟

جاوبته بترددٍ:

-أيوه، بس المنام اللي شوفته آ...

قاطعها ناصحًا في غير اكتراثٍ:

-ماتبقيش تتقلي في الأكل قبل ما تنامي، ده اللي بيجيب الكوابيس.

تطلعت إليه بنظراتٍ منزعجة، وقد رأته يشد الغطاء أعلى رأسه، قبل أن يأمرها:

-ويالا اطفي النور ده، عشان ورايا شغل كتير بكرة.

زفرت في تأفف، وغمغمت بغير ارتياحٍ:

-ماشي.

أغلقت المصباح، وتمددت على ظهرها لتحدق في السقفية المعتمة، مستعيدة في ذهنها مشاهدًا لا تزال حية في مخيلتها، عاد الخوف ليحتل قلبها، ولسانها ما زال يردد برجاءٍ:

-يا رب استر.

..........................................................

وردها ذلك الاتصال المريب من والدتها، لم تفهم مغزاه، ولم تعلم منها شيئًا سوى أنها تريد رؤيتها في الحال لأمرٍ طارئ لا يحتمل التأجيل، مما اضطرها لإخبار زوجها، وطلب الإذن منه للسماح بذهابها عند بيت عائلتها. وقفت "فيروزة" أمام تسريحة المرآة، تنظر بتركيزٍ إلى حجاب رأسها وهي تلفه، لتتأكد من ضبط مقدمته في شكل مثلثٍ مدبب، قبل أن تكمل غلق أزرار بلوزتها الوردية، في حين جلس "تميم" على طرف الفراش يرتدي جواربه وهو يتساءل متعجبًا:

-لازمتها إيه الزيارة دي؟

أخبرته في تحيرٍ لا يقل عنه:

-مش عارفة، بس ماما مصممة أروح عندها حالاً، حتى مش مستنية أخلص شغلي، وأعدي عليها.

ما لبث أن راودتها الهواجس السوداوية، فاستدارت ناظرة إلى "تميم" وهي تخاطبه في جزعٍ:

-لأحسن يكون خالي تعب وهي مش عاوزة تقول.

تفهم مخاوفها، خاصة أن صحته كانت عليلة مؤخرًا، وقال مطمئنًا إياها:

-ربنا يستر، وتبقى حاجة بسيطة ...

ثم نهض واقفًا من موضعه، وتابع:

-عمومًا أنا جاي معاكي.

لم ترغب في تأخيره عن عمله، وطلبت منه بلباقةٍ:

-مالوش لازمة تعطل نفسك، كفاية عليك توصلني، إنت مش وراك مصالح؟ وآ..

قاطعها قائلاً بإصرارٍ:

-مايجراش حاجة، خلينا نطمن.

لاحظ أمارات القلق تكسو كامل تعبيراتها، فمسح برفقٍ على وجنتها مضيفًا في صوتٍ هادئ:

-إن شاءالله خير، سبيها على الله.

لم يختفِ التوتر من صوتها عندما ردت:

-ونعم بالله.

استعد "تميم" للذهاب معها، دون أن يبدو عليه القلق مثلها، واصطحبها إلى خارج المنزل، لينطلقًا معًا في اتجاه بيت عائلتها، ولا يعرف أحدهما ما الكارثة التي تنتظرهما هناك.

........................................................

منذ أن عرفت مصادفة بما يدبر له من مكيدة وضيعة، بناءً على اقتراحات رفاق السوء الذين كانوا يجتمعون معه يومًا بعد يوم في منزلها، لم تستطع "سعاد" منع نفسها من التدخل والتصرف بأي صورة، إيقافًا ومنعًا للمشاكل الجسيمة المتوقع حدوثها، جراء خططه الجهنمية، تلك الغائب عنها تفاصيلها بالضبط. أعاقها عن تحذير "آمنة" عدم حوزتها على هاتفٍ محمول، فابنها العاق قد أخذ خاصتها عنوة، وباعه مع هاتف زوجها ليبتاع لنفسه واحدًا جديدًا، غير مبالٍ بأمرها .. فقط إحدى بناتها أتت لها بواحدٍ زهيد السعر، في نفس اليوم الذي صادف ذهابه إليها، دعت الله ورجته أشد الرجاء ألا يكون اتصالها متأخرًا، صاحت "سعاد" في ابنتها تنهرها:

-اتأكدي الرقم صح ولا لأ؟

أخبرتها بتبرمٍ:

-هو يامه، هي مغيرتوش من زمان.

هتفت بها تأمرها بصبرٍ نافذ:

-طب أطلبي عليها أومال.

ردت بهدوءٍ مناقض للعاصفة المسيطرة على والدتها:

-حاضر، بس تشحن البطارية.

في استنكارٍ مغتاظ صاحت متسائلة:

-وإنتي معكيش رصيد؟

جاوبتها نافية ومبررة في نفس الوقت:

-لأ، الباقة خلصانة، ما إنتي عارفة جوزي منشفها معايا حبتين من ساعة اللي عمله "فضل"، ده غير فضايحه اللي مالية البلد.

ضربت "سعاد" على فخذيها مرددة في رجاواتٍ أكبر:

-عديها على خير يارب.

استمرت ابنتها في الكلام معها كأنما تُعلمها بما اتفقت عليه مع شقيقاتها:

-احنا خلاص وكلنا محامي يجيبلنا حقوقنا يامه، مش عاوزينك تزعلي مننا، طالما المعروف مش جايب نتيجة مع أخويا.

قالت في حدةٍ، وعقلها مشغولٌ بما يدور بعيدًا عنها:

-اعملوا اللي تعملوه، خلاص أنا حطيت إيدي منه في الشق!

............................................................

بزفيرٍ شبه لاهث، وصدرٍ ينهج من المجهود المبذول في وقتٍ وجيز، وقفت "فيروزة" عند أعتاب باب منزلها، تُطالع والدتها بنظرات شمولية فاحصة، بعد أن فتحته لها، قبل أن تلتقط أنفاسها، وتسألها في لهفةٍ قلقة:

-خير يا ماما؟ كلكم كويسين؟

أجابتها "آمنة" بترددٍ كبير معكوسٍ على كامل ملامحها:

-أه الحمدلله ...

حانت منها نظرة سريعة من فوق كتفها، لتنظر إلى زوجها الواقف خلفها، ثم جذبتها من ذراعها، لتهمس لها في تبرمٍ:

-إنتي جبتي جوزك معاكي ليه؟

اندهشت من سؤالها الباعث على كل الريبة، وهتفت في استنكارٍ:

-في إيه يا ماما؟ هو إنتي مش عاوزاه يكون موجود ولا إيه؟

بدا وكأنها غير مُرحبة بوجوده، وظهر هذا جليًا في نبرتها وهي تخبرها بصوتها الخافت، خشية أن يسمع "تميم" حوارهما:

-أصل آ...

قاطعتها "فيروزة" بصبرٍ نافذٍ، وقد استحوذت عليها شكوكها:

-ما تكلمي يا ماما على طول.

ولج "تميم" لداخل الصالة متلكئًا في مشيه، ومتعجبًا في نفس الوقت من الاستقبال الفاتر من قبل حماته، على غير المعتاد منها. ألقى التحية، وانتظر في مكانه متوقعًا أن تقوم بالرد عليه؛ لكن باغت ثلاثتهم ظهور "فضل" من الداخل ليصيح عاليًا بنبرة أبرزت نيته غير المبشرة بالخير:

-أصلها خايفة تقولك إن أنا هنا.

ما إن أبصرته "فيروزة" حتى انفجرت صارخة في وجهه بانفعالٍ تصاعد في صدرها فجأة:

-إنت بتعمل إيه يا حيوان في بيتنا؟!!

علق عليها بوقاحةٍ فجة وهو يتصنع الضحك لاستفزازها:

-جاي أتملى في جمال أمك.

أشارت له "فيروزة" بسبابته طاردة إياه بإهانةٍ لاذعة:

-اطلع برا يا (...)

بينما هدر "تميم" في تحفزٍ وقد تقدم في خطاه، ليتجاوز زوجته، ودمائه تغلي وتفور في حمئة شديدة الوطيس:

-البغل النجس ده بيعمل إيه هنا؟

نظر "فضل" إليهما شزرًا، كأنما يستمتع بمشهد إهانته، وقال في برودٍ قاصدًا إخراجهما عن شعورهما:

-بالراحة يا عريس الغفلة على نفسك، ألا يطقلك عرق!

هدده "تميم" بنبرة مظلمة، وعيناه تحتقنان بشدة:

-إنت مش عاوز ترحم نفسك من الأذى؟ إيه ما بتحرمش؟!

حاولت "فيروزة" منعه من الاقتراب منه، لأنها تعلم تمام العلم أنه قادرٌ على استدراجه نحو ارتكاب جريمة ما وسط غضبه الأعمى، وتوريطه بشكلٍ تعجز فيه عن إنقاذه، فتعلقت بذراعه، وجذبته إلى الخلف بكل قوتها؛ لكن "فضل" استمر في استثارة أعصاب المتواجدين بتصريحه غير البريء:

-يا عم ده أنا جاي أخدمك خدمة العمر، وأعمل فيك معروف.

صاح به "تميم" بنبرة حادة، ونظراته المزدرية تطوف عليه:

-إنت يطلع منك معروف؟!!!

كركر ضاحكًا بصورة بعثت الغثيان على النفس، قبل أن يبتر ضحكاته المفتعلة ليردد في خبثٍ:

-مش بكشفلك حقيقة مراتك!!

اهتاجت أعصاب "تميم"، وارتفع هدير صوته المهدد بشدة، وهو يلوح بسبابته أمام وجهه:

-إياك لسانك الزفر يغلط فيها.

دس "فضل" يده في جيب بنطاله، ليخرج ما خبأه فيه، قبل أن ينطق في وضاعةٍ مقيتة، ونظراته النارية مسلطة عليها:

-ده الغلط كله منها ....

أبرز قطعة ثيابها التحتية نُصب أعين ثلاثتهم، وتابع مبتسمًا بابتسامة شيطانية:

-وبأمارة ما كانت لبسالي ده.

شهقت "فيروزة" في صدمةٍ، وارتخت قبضتيها عن ذراع "تميم" غير مصدقة ما أحضره معها، بينما اعتلى الذهول المرتاع ملامح وجه "آمنة" وهي تتطلع بعينين جاحظتين إلى ما يخص ابنتها، هوى قلبها بين قدميها وهو يسألها علنًا:

-مش ده لبس بنتك الطاهرة يا أم الشريفة ولا أنا غلطان؟!!

ردت عليه زوجة عمه متسائلة بصوتٍ مهتزٍ، بما أوحى بشيءٍ من الإدانة لابنتها:

-إيه اللي جابه معاك؟

لوح "فضل" بقطعة الثياب في الهواء مستمتعًا بما رأه من ردات فعل متباينة، وقد أيقن أن خطته أصابت هدفها، وفي مقتلٍ! ما سيقال بعد ذلك أو يبررر لن يجدي نفعًا، فالشرخ حتمًا وقع في علاقة الزوج بزوجته بمجرد بث نوازع الخيانة وزرع الشكوك فيها، أفاق من لحظة انتصاره الجلية على صوت "تميم" الصارخ في جنونٍ:

-إنت اتخبلت في مخك؟

استوعبت "فيروزة" ما فعله، وخرجت عن صمتها المصدوم، لتصرخ هي الأخرى بتشنجٍ واهتياج:

-يا قذر، يا حيوان، يا (...)!

نظرة سريعة ألقتها على وجه زوجها المتقلص للغاية؛ كأنما استعرت نيرانِ أتونٍ من الجحيم أسفل جلده، رأت نظراته محتقنة على الأخير، كل ما فيه ينضح بغضبٍ حارق لكل ما هو حي، تحركت لتقف أمامه، ورفعت يدها لتمسك بذقنه، وتجبره على النظر إليها، ثم راحت تدافع عن نفسها باستماتةٍ وحُرقة:

-والله العظيم ده كداب يا "تميم"، أنا معرفش حاجة عن اللي معاه ده!

هتف "فضل" من ورائها قائلاً بسخريةٍ متهكمةٍ، كما لو كان يزيد من تأجيج النيران المحتدة:

-قالوا للحرامي إحلف قال جالك الفرج.

النظرة في وجه "تميم" في تلك اللحظة تعني رغبة أكيدة، ونية صريحة غير نادمة، في إزهاق روح أحدهم في التو؛ لكن جلَّ ما كانت تخشاه وسط هذا التهديد الخطير، هو تصديقه لكذبته الدنيئة، وانسياقه وراء حيلته المهلكة، خاصة وهو مستمرٌ في اتهامها بكل ما بذيء:

-احنا شباب زي بعض، قولي كانت جامدة معاك ولا مسدتش ......................................... ؟!

*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الرابع والستون من رواية الطاووس الأبيض ج4 بقلم منال سالم
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من القصص الرومانسية
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة