-->
U3F1ZWV6ZTMzNTg0ODE3NzI1X0FjdGl2YXRpb24zODA0Njk2NDgxODg=
recent
آخر القصص

رواية عصفورة تحدت صقراً بقلم فاطمة رزق - الفصل التاسع والخمسون

مرحبا بكم متابعين قصص 26 موعدنا في قسم روايات رومانسية كاملة والكاتبة فاطمة رزق والفصل التاسع والخمسون برواية عصفوره تحدت صقراً 

وَعَـىَ على مُر الحياهِ ، حين إِصطَدم بواقِعِــهِ .. فنشأَ على كُره حــواءَ ، فلم تكن يوما منزلُــهُ .. وبنفورِهِ جعلَ الجواري تَشتهى قُربَــهُ .. فعُزِزَ الغُــرور في نفسهِ ، بأنُ لا مِثل لـهُ .. فأتتْ هي قبل أن ينخدِعَ بِظَنــهِ .. لتُريهُ مدى ضآلة حجمــهِ .. فليست من الجــَواري، ولا أَمـه يروق لها منزلــُه .. هي سيـدةٌ فى قصرٍ من الحيــاءِ تزينت جُدرانُـهُ .. هي سيـدةُ حسنـاءٌ ، تملك من الكـِبْرِياءِ ما تَكبَح بـِهِ غـرورَهُ .. فقطعَ العهــودَ والمواثيــقَ على نفســهِ .. بأن أيامها القادمــةُ ستكونُ داخلَ جحيمــهِ .. ولِتـَـرى ابنه حــواء ذاك الذي قَـللتْ من شأنِــهِ .. كيف يَسوقهـا إلى هاويةِ الهـلاكِ بنفسـهِ ..! هل ستقاوم سَبيـهُ ، أَم هل ترضـخُ لــهُ ؟ هل ستعيش حبيسَــةً ، أَم سيُجّــلِي قَيــّدَهُ ؟ اللي مشفش الفصل الرابع يقدر يشوفه من هنا رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل الثامن والخمسون"
روايات رومانسية كاملة | رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل التاسع والخمسون"

عصفوره تحدت صقراً

الفصل التاسع والخمسون

بدأ صباحه بطريقةٍ مختلفةٍ اليوم، حيث أنه لم يفطُر، كان الشعور الذي يجتاحه جميلٌجدًا، شعورٌ بالنقاء.. بالسلام الداخلي، و التفاؤل.
ذهب إلى العمل و عاد بعد ساعتان، و كان قد حضَّر لتلك الرحلة المجنونة اليوم.. إن كانت تريد هذا فلها ذلك، حتى و لو كان في الأمر مخاطرة سيحرض على سلامتها أو يتأذى معها..!!

نظر لها و هي ما تزال نائمة، وظل هو يبدل ثيابه وينظر لها بين الحين و الآخر، إلى أن أنهى تبديل ثيابه و اقترب منها ثم انحنى قليلاً نحوها و قبل رأسها و هو يبتسم لها برفقٍ.. ليتركها بعدها و يتجه نحو حقيبة العمل خاصته، يُخرج منها مصحفه الذي أهدته له، ثم هاتفه، و يخرج من الغرفة..

استند على تلك الشجرة في الحديقة بعد أن وصل إليها، ثم فتح المصحف على الصفحة ٤٩ من سورة البقرة، وعبث قليلاً بأزرار هاتفه حتى انبعث منه صوتها و هي تُرتل:
-" آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"

سِره الخاص الذي لم يخبرها به.. كلما كان يسمعها تُرتل القرآن الكريم، كان يسجل صوتها بدون أن تشعر به، و اعتاد أن يستمع إليه في الوقت التي لا تكون معه فيه، كوقت العمل و غيره..

و اليوم قد أنهى سورة البقرة كقراءة كاملة، و حفظ منها ٣ صفحات، غير أنه قد حفظ بضع آياتٍ منها و هو يقرأها فقط.

صُدم فجأة حين وجدها تقف أمامه فاغرةً فاها تنظر له بصدمة، ولم تتفوه بكلمة حتى الآن، فانتبه هو إلى صوت الهاتف الذي بدأت فيه بقراءة سورة آل عمران، كاد أن يغلقه إلا أنها تقدمت نحوه وسحبته منه بصورة مفاجئة وهي تنظر له قائلة بدهشة:
-كنت بتسجل صوتي؟

قوس حاجباه، و وقف مجيبًا إياها بتعلثم:
-آآ دة، دة.. واحد صاحبي!

حدقت فيه بصدمة لعدة ثوانٍ قبل أن يركز هو فيما قال، ثم يضحك بقوة، أما هي فقد هزت رأسها عدة مراتٍ إلى الجانبين و هي تحاول إخفاء ابتسامتها عنه.. ثم نظرت له و قد اختفت الإبتسامة و سألته محاولة أن تبدوا جادة:
-بتستغفلني يا صهيب؟

أومأ رأسه عدة مرات و البراءة في عينيه، فأمسكته هي من ياقة قميصه و هي تضيق عينيها و تتحدث بوعيد:
-و بتقول آه عادي كدة مش خايف؟
هز رأسه نافيًا، فنظرت له بغيظ و تابعت:
-قول إنك خايف و أنا هسيبك!

اقترب من أذنها، و همس لها بخفوت:
-و مين قال إني عاوزاكي تسيبيني؟

ابتسمت و هي تضع يدها الأخرى في خصرها و تردف بهدوء:
-امممم بتستغل الأمور لصالحك يعني!

ضحك بخفوتٍ على طريقتها، فتابعت هي ببرود:
-بس دة ميمنعش إنك استغفلتني؟

وضع يده على ذقنه مفكرًا و هو ينظر له ويجيبها:
-امممم فعلاً معاكي حق! مع إن مكنتش عاوزك تعرفي!
-و أنا كالعادة هكون كريمة و همسع التبرير
-جمايلك كترت مش عارفة هوديها فين بعد كدة!

ضيقت بيدها على ياقته أكثر، و وقفت على أطراف أصابعها حتى تهمس له محذرةً:
-متلعبش بالنار! و اتكلم..؟

يا إلهي كم تبدوا جادة، حسنًا لننزع هذا القناع عنها الآن..
-ليه؟
نظرت له بثباتٍ و أردفت:
-عشان النار بتحرق!
وضع طرف إصبعه في فمه و هو يسألها بجدية:
-إوعي تكوني بتشبهي نفسك بالنار!
أشاحت وجهها عنه محاولة إخفاء ابتسامتها، فأدار وجهها إليه و تابع باسمًا برفق:
-بسجله عشان كنت عاوز اتعلم القراءة صح، و على إيدك إنتي مش حد تاني.
ابتسمت له بمودة، ثم تركت و هي تجيبه بجدية:
-مقولتليش ليه؟ كنت هعلمك بنفسي..!
صمت قليلاً قبل أن يجيبها بخفوت:
-يعني.. بتعلميني حاجات كتير و.. مش عاوز آآ..
قاطعته هي بنبرة حاسمة:
-يا صهيب أنا هنا عشانك، أنا موجودة معاك في كل وقت، في أي حاجة هتحتاجها بجد هعملها و أنا فرحانة، قبل أي حاجة دي طاعة و عبادة لربنا، و تاني حاجة عشان إنت يا صهيب أخدت مكانة كبيرة في قلبي و في حياتي، و أنا مبخلش بوقتي على اللي حياته هي حياتي.
وضع يده على و جهها ورفع له قليلاً و ابتسامة حنونة تعلوه، ثم أردف بصوتٍ أجش:
-إنتي اتغيرتي كتير يا جويرية!
بادلته تلك الإبتسامة الدافئة و هي تجيبه:
-لو فاضل حاجة حلوة فيا بعد كل اللي حصلي دة فمحدش غيرك يستحقها.. و بعدين إنت كمان اتغيرت تمامًا! و بعدين كمان كفاية كدة عشان مبحبش اللحظات المؤثرة دي!!
ضحك و هو يجيبها:
-بس دي مفيدة، مش عارف هنرجع النهاردة من الجنون دة و لا لأ!
-جنون إيه؟!
أجاب ببساطة و هو يعبث بخصيلات شعرها المنسدلة:
-مش طلبتي تقعي من الطيارة؟!
تحمست كثيرًا و هي تسأله:
-إيه دة بجد جهزتلها النهاردة؟
-أيوة
لم تستطع التماسك أكثر من ذلك، و أخذت تضحك بقوةٍ، لتتحدث بعدها بمرح:
-متنكرش إنك عاوز تعمل كدة إنت كمان!
رفع يديه الإثنتان لأعلى و هو يجيبها:
-مش هنكر الصراحة! بس المهم بعدها كدة إن شاء الله متقوليليش نفسي آخد سلفي مع الأسد!
-إيه دة إنت عرفت ازاي؟!!
رفع رأسه للسماء وقال:
-صبرني يا رب!!

بعد مرور أربعة ساعات..

في الأعلى، حسنًا أعلى قليلاً بعد.. أجل هكذا
الآن هما على متن الطائرة التي تطير في منتصف الجو، يقفان يمسك كل منهما بيد الآخر، وقد بدأ العد التنازلي لقفزهما من الطائرة..
نظر لها صهيب و عينيه تلمعان ببريق المتعة، ثم سألها بهدوء:
-ها واثقة؟
أجابته و نفس البريق في عينيها بنبرتها الحاسمة:
-أكيد، يلا نتكل على الله
و لم ينبس أحدهما بكلمة بعدها بل بالفعل قفزا سويًا، ولم يترك أحدهما يد الآخر.. بل فتحا ذراعهما الآخر و أغمضا عيناهما لثوانٍ فقط ليستمتعا بهذا الهواء المنعش الذي يتخلل كل جزء من روحهما،
شعورٌ عجيب ملأهما و كأنهما قد ثملا من شدة الشعور بالنشوة، في منتصف السماء، يسقطان بسرعةٍ تتجاوز سرعة سيارة تنطلق بسرعتها القصوى، و هل هناك ما هو أمتع!

آلآن شعرتِ بالحرية يا جويرية؟
سألت نفسها و أجابت في فورها.. ألستُ كطير؟ كطائرة؟ ألستُ كعصفورة تطير الآن؟ ما ينقصني أكثر من ذلك؟ أخذت الكثير في هذه الأيام.. الكثير من السعادة التي لم أحصل عليها منذ فترة طويلة، أخذت هذا الشعور بالبهجة في داخلي، ماذا ينقصني أكثر من ذلك..!!
بالطبع أشعر يا نفسي، بالطبع أشعر.

كان الوقت يمر دون أن يلاحظا أنهما نسيا المنطاد، و نسيا أن عليهما اطلاقه، فقد كان هو الآخر شارد الذهن سعيد بهذا الهواء، بهذه الأجواء..
لكنه فتح عينيه فجأة، ثم نظر للأسفل، فوجد أنهما اقتربا كثيرًا من الأرض، فاتسعت عيناه في صدمة، و سريعًا سحب البالون لينتفخ في الجو و يحملهما، نظرت له جويرية، و حاولت سحب خاصتها، إلا أنه لم يعمل، هنا بدأت تحاول انتشال يدها من صهيب و هو يزداد تمسكًا بها، إلا أن صرخت به:
-صهيب سيبني!
أجابها بانفعالٍ هو الآخر و هو يمسك بيدها أكثر:
-مستحيل
الأوان قد فات فقد بدأت سرعتهما تزداد نتيجة الجاذبية، كما أنها لم تفتح بالونها الخاص و هذا أدى إلى زيادة الوزن عليه..
حين علمت جويرية ألا مفر، لن يتركها ذاك المتيم، لن تنجح في إنقاظه، هي السبب..

كل الأفكار التبست لديها، و ظلت بنفس جمود عينيها، و حتى أنها من شدة شرودها لم تنتبه أنه أمسك يدها الأخرى أيضًا، للحظة سألت نفسها، أنتهى كل شيء؟ تموت و يموت هو بسببها؟ الله يشهد أنها غير معترضة على قضائه و قسمته، لكنها تمنت أن تموت ساجدة، أن تلاقي ربها و هي تعبده، تمنت لو أنها..!!

-جويرية، مش هيحصل حاجة إن شاء الله صدقيني.. جويرية اهدي إنتي أقوى من كدة، حبيبتي اهدي..
كانت تلك الكلمات التي أخرجتها من شرودها، فنظرت له لتجده يبتسم لها.. هل هذه آخر مرة سترى فيها بسمته الحانية تلك؟
برغم كل هذا لم تنتبه أنه بدّل وضعيته بحيث صارت هي بالأعلى و هو بالأسفل، نظرةٌ أخيرة له... ثم اختفت الرؤية تمامًا..
لا تراه.. أين هو؟ صهيب! لا لا تمزح معي تلك الألعاب لا أحبها أتفهم!!
و تصرخ:
-أتفهم؟ صهيب!!
و أين هو من يفهم..؟!!
.........

الظلام يحيط بالمكان، لا ليس الظلام بل هذا اللون الذي يأتي بعد انعدام الألوان، و مع ذلك الرؤية واضحة تمامًا..
اقتربت منه، لماذا هو نائم على فراش المشفى هذا؟ ألا يعلم أنها تكره المشافي؟ و أسرتهم الرهيبة! أمسكت يده و هزته بعنفٍ و هي تتحدث بغضب:
-صهيب! منذ متى لم يكن فراشك يعجبك حتى تتخذ من هذا فراشًا؟ أليس من الأفضل لو طلبت تبديله بدل أن تجيء إلى هنا؟

لم يجبها، فزاد غضبها و هي تتابع:
-أنت تعلم أنني لا أحب الحديث معك دون أن تجيب! صهيب أجب ماذا به فراشنا أخبرني؟

الدموع! يا إلهي من أين أتت تلك الدموع، بدأت تمسح دموعها التي تزداد بصورة هيستيرية، و تساءلت مستنكرة:
-يا الله ما هذه الدموع؟ و لما تنهمر هكذا؟

ثم تعيد النظر له و تضع يدها في خصرها و تكمل بضيق:
-صهيب، هيا الآن لست معتادة منك على تلك المعاملة الجافة!

الدموع تزداد، و قلبها بدأ ينبض بقلق، ثم بدأت تهزه بقوة و هي تتابع بجدية:
-صهيب، أرجوك، لا تختبر صبري أكثر من هذا!

بللت عبراتها ثيابه و هي تقترب منه لتهزه بانفعالٍ أكثر:
-صهيب، أخبرني ماذا به فراشنا، أنبدله؟

مسحت دموعها بعنف، و استكملت معه بنبرة هادئة:
-يمكنك فقط إخباري بما تريد و سأفعل، لكن تلك الطريقة قاسية، ما رأيت زوجتك تعاني يومًا و تركتها!

أمسكت يديه، و تخللت أصابع يديه بيدها، ثم قبلتها و هي تسأله بنبرة خافتة:
-أتترك زوجتك تعاني الآن بتلك القطيعة يا صهيب؟ أأنت راضٍ عن نفسك؟ أخبرني!

ثم أمسكت بيده أكثر و هي تتابع بنبرةٍ أعلى قليلاً:
-لقد وعدتني يا صهيب، أخبرتني معًا إلى الجنة، أخبرتني لن تتركني في الدنيا أو الآخرة، كثيرًا ما كنت أسمعك تدعوا الله ألا يفرقنا ما حيينا و ما متنا ثم في الجنة اللقاء الأبدي، و الآن أخبرني يا صهيب ما بال وعودك أأصبحت بالية؟

ازدادت عبراتها انهمارًا، و سقطت على قدميها غير قادرة على الوقوف أكثر، لكنها ظلت ممكسة بيديه متشبثة بها إلى أقصى حد، قبلت يده من جديد و هي تتابع بألم:
-أرجوك يا صهيب، لا تتركني، لقد تركني الجميع و قد تمسكتُ بوعدك تفكيرًا، و كنت واثقة بك، خِلت أنك ستظل معي للنهاية!

بكت بقوةٍ و هي تتابع:
-لقد تحملت من الألم الكثير، لقد فارقت الكثيرين، لكن بعدك أنت محالٌ أن يتبقى لدي ذرة من الطاقة لأستكمل ما بدأت
حاولت الوقوف بصعوبة حتى تقترب منه، وتضمه بقوةٍ و ما تزال تردد:
-هيا قُم، أقسم لك ما عاد بإمكاني التحمل

أقسم لك أنا أموت يا صهيب، لن أتحمل المزيد.. لن أتحمل!
رفعت رأسها أمام رأسه و تلمست وجهه بأصابعها المرتجفة، و قالت و هي تبكي:
-لقد أدمنتك يا صهيب، أتدري ما معنى أدمنتك؟
أي أن أنني لا أستطيع الآن بدء يومي بلا رسالتك الصباحية! لا أطمئن إلا بعد رؤية ابتسامتك الحانية، لا أشعر بالدفئ إلا بعد أن تحتويني بذراعيك، الآن أنا أضمك و أنت لا تُبالي! منذ متى لجأت إليك فنبذتني؟
استندت عليه و تركت دموعها تنهمر، و تنهمر، و تنهمر..

أقرا أيضا رواية آدم وحياة الفصل الثامن

الظلام يحيط بالمكان، لا ليس الظلام بل هذا اللون الذي يأتي بعد انعدام الألوان، و مع ذلك الرؤية واضحة تمامًا..
اقترب منها، لماذا هي نائمة على فراش المشفى هذا؟ ألا تعلم أنه يكره المشافي؟ و أسرتهم الرهيبة تلك! أمسك يدها و هزها بعنفٍ و هو بتحدث بغضب:
-جويرية! أجننتي؟! ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟ أتدرين كم بحثت عنكِ؟
لم تجبه، فزفر بضيق و تحدث بجدية:
-جويرية أجيبي! لقد كنا قد انتهينا من هذا الأسلوب كنتِ تحاديثيني في كل شيء هيا أجيبي!
لم تجبه مجددًا فاقترب منها و قبل رأسها و هو يتابع:
-حبييتي هيا أجيبي، لا أعلم لما قد أتاني هذا الشعور بالشوق الشديد لكِ فجأة!
أخذ نفسًا، بدى عليه الإنفعال، تظاهر بالهدوء، عاد لينفعل، ثم ليسيطر، ثم ليقلق..
-جويرية! أأخطأت في شيءٍ حبيبتي؟
هزها بقوة، لا تجيب، نادى بخوف:
-بِربك أيا حبيبتي لماذا تفعلين بي هذا؟
حسنًا أنا آسف على كل شيء بالطبع أنا أخطأت في شيءٍ ما حتى لو لم أكن أتذكره! أنا أعتذر، فقط أخبريني بالمقابل و أُعيد إصلاح كل شيء!
دمعت عيناه، قلبه بدأ ينبض بقوة، أنفاسه باتت تتقطع..
أمسك يدها و ضهما بيديه، ثم تحدث بنبرة عالية:
-جويرية! توقفي الآن هيا، ثم لماذا يدكِ باردة هكذا؟!
لا شيء، بدأ يحاول تدفئة يدها بلا فائدة، يهزها و يناديها بلا فائدة، نزل على ركبته بعد أن استشعر ثُقل ما يحدث عليه.. سقطت دموعه و هو ينادي عليها بصوته المتقطع ثم يردف:
-لكن أنتِ يا حبيبتي لا تكسرين كلمة قلتها! لقد اعتدت منكِ على الصدق، لقد رأيت منكِ ما لم يره غيري، لقد وعدتني معًا للجنة! أما تتذكرين؟
مسح دموعه فتجددت و هو ينظر لها بألمٍ و يتابع:
-أتدرين؟ أنا لن أتحمل إن ذهبتِ و تركتني! ثم أن..
وقف فجأة و نظر لها ثم تحدث بغضب:
-أنا أعلم أنكِ لن تفعلي، لدي ثقة لا حد لها بكِ، و الثقة الأكبر هي في ربي و ربك!
من أين كنتِ تظنين أنني أخبركِ أننا لن نغادر هذه الحياة إلا سويًا؟
من أين كنتِ تظنين آتية طمأنتي لكِ؟
من ذي الجلال و الإكرام، لقد وثقت في أنه لن يضيعنا للحظة، و أقسم لكِ حين كنت أصلي كنت أشعر أنه يخبرني ألا أخاف.. هل تُراكِ الآن تظنين أنكِ بسبب ما تفعلينه أصدق أنكِ تركتني؟
لا يا حبيبتي، هذا وهم.. وهم!
أسمعتني.. هذا وهم!
صرخ بها، في هذه اللحظة اختفت جويرية، و اختفى الفراش كألم يكُ له أثرٌ يومًا! ظل يبحث عنها و يدور حول نفسه و يناديها، فلم يجدها..
سار للأمام، و أخذ يسير و يسير و يسير.. أين هي؟ هل غضبت منه؟
يمسح دموعه و يتابع البحث عنها، لحظة فقط! ما هذا الصوت؟
صوت بكاء مرتفع، و تتبعه شهقاتٍ حادة، اقترب من هذا الصوت أكثر، و ما إن وقف على بُعد بضع خطواتٍ منها لم يصدق عينه! لقد كانت تبكي بشدة و كأنها ترى أحدهم وتبكي عليه، لم يتحمل رؤيتها تبكي بهذا الشكل، و اقترب منها بسرعة، حتى بات على بُعد خطوة واحدة فقط منها، و سمعها تتحدث و هي تبكي:
-لقد أدمنتك صهيب، أتدري ما معنى أدمنتك؟
أي أن أنني لا أستطيع الآن بدء يومي بلا رسالتك الصباحية! لا أطمئن إلا بعد رؤية ابتسامتك الحانية لي و إن كنت لا أُبدي، 
انهارت مقاومته و نزل على ركبتيه بجانبها، و دمعت عيناه لأجلها، فأخذت تبكي هي و تتابع:
-لا أشعر بالدفئ إلا بعد أن تحتويني بذراعيك، الآن أنا أضمك و أنت لا تُبالي! منذ متى لجأت إليك فنبذتني؟
-بحق الله توقفي جويرية، أنا لن أتحمل أكثر!
قالها فجأة فاستدارت تنظر له سريعًا، و حين رأته أجابته باكية:
-إذًا لا تتركني!
فتح ذراعاه لها و دموعه تنهمر، فارتمت بين ذراعاه فى نفس اللحظة و كأنها كانت تنتظر الفرصة فقط، و ظلت تبكي و هي تتابع بتقطع النبرات:
-أأنت هنا حقًا؟
-بالطبع حبيبتي
بكت أكثر و هي تتابع:
-لن تذهب بعد قليل، أنا لا أتوهم وجودك صحيح؟
أطبق ذراعاه عليها بقوة و هو يجيبها بنبرة جادة، هادئة:
-يجب أن يكون لديكِ ثقة بزوجك أكثر من هذا!
لم تتوقف عن البكاء و الرجفة و هي تتابع:
-لن أنظر للخلف مجددًا أنت هنا و لن تتركني! لن أنظر.. لا لن أنظر
أبعدها عنه للحظاتٍ، فتشبثت به أكثر، فنظر لوجهها و أردف بنبرة حانية:
-جويرية.. حبيبتي هذا وهم! أين ذهبت ثقتكِ بالله، أنا هنا حبيبتي، هنا لن أتركك أبدًا إن شاء الله.. هنا و لن أتحمل أن أرى تلك الدموع أكثر، أنتِ لا تعلمين ماذا فعلتِ لقلبي لقد أصبح مرهقًا بسببكِ!
هزت رأسها نافيةً و هي تسأله باكية:
-لن تتركني! و إذا ما التفت لن أجدك جثة هامدة، تاركًا إياي وحدي في مفترق الطرق، سأجدك هنا فقط؟
أومأ رأسه و هو يجيبها برفقٍ:
-أخبرتكِ حبيبتي أنا هنا، لما قد أترككِ إذًا؟
نظرت للجانب الآخر لتتفاجأ أنها جالسة على الأرض لا الفراش! و لا أحد غيرهما في المكان!
عادت لتنظر له و تتحدث بتقطع:
-و.. ولكن.. أنت آآآ
أجابها بتفهم:
-أخبرتكِ هذا وهم، أنا معكِ الآن أريدكِ أن تهدأي
-و.. ولكن..!
-ألم أعدكِ أنني لن أترككِ أبدًا؟
نظرت له مليًا و أجابت:
-بـ.. بلى
ابتسم لها ليشعرها بالطمأنينة، ثم قال:
-و هل لا تثقين بزوجكِ؟!
أغمضت عيناها و عادت لتختفي بين ذراعاه و هي تبكي، و تجيبه بصوتٍ متقطع:
-أنا.. أنا أثق بك أكثر مما أثق بنفسي صهيب، لكن ما حدث كان قاسيًا، أنا آسفة
ظل هو حينها يمسح على شعرها مطبقًا ذراعه عليها و هو يردد:
-لا تعتذري حبيبتي.. لا تعتذري


كانا ما يزالان فاقدان الوعي على أرض الصحراء الساخنة، وكل منهما ممسك بيد الآخر، لم يتركا أيديهما مع كل ما حدث!
فتحا أعينهما سويًا و نظرا لبعضهما و كأنهما يتأكدان تواجدهما، حاول هو الجلوس، في حين ظلت هي كما كانت تنظر له و كأنها تتأكد من تواجده معها، اقترب منها أكثر، وسحبها بيديه لتجلس هي الأخرى و هو يبتسم لها برفق، ثم سألها بمرح:
-أدمنتيني؟
كانت حركة مفاجأة أن ضمته بكل قوتها و أخذت تبكي!
-آه بقيت إدمان يا صهيب
دق قلبه، هو يشعر بها ما تزال تعيش فيما حدث، لم يذهب المشهد من عينيها و رأسها بعد، و برغم كل ما يحدث لم يفكر أحدهما أن رؤيتهما لنفس الحلم أمرٌ عجيب، بل تحدث بهدوءٍ و هو يمسح على شعرها:
-حبيبتي اهدي أنا معاكي خلاص
لم تتوقف عن البكاء، ما يزال المشهد يُعاد أمامها، ما يزال مشهد نومه أمامها بلا حراكٍ يتكرر.. فأخذ هو يقرأ من آيات القرآن التي حفظ منها لتهدأ، حتى بدأ يلاحظ أنها سكنت تمامًا، فبدأ يردف بنبرة هادئة:
-عاملة إيه الوقت؟
-بحبك
اندهش هو لما قالته فجأة، ثم ابتسم قائلاً بدفئ:
-و أنا كمان بحبك و الله
-أنا آسفة، أنا سبب اللي حصل، مش هطلب حـ..
-شششش بطلي غباء بقى، اللي حصل كان لازم يحصل دة قدرنا، ثم إني أنا كمان بحب الجنون دة! جيت و اشتكيت؟ لأ يبقى اسكتي خالص.
ابتعدت عنه قليلاً جدًا و هى تجيبه:
-أنا اللي مقدرش أعيش من غيرك يا صهيب! مقدرش أتحمل إني أكون السبب في أي ضرر يحصلك..!
ابتسم و رد بمزاح:
-هو من ناحية ضرر فأنا حاسس إني متكسر!
أومأت رأسها قائلة بندم:
-آسفة بجد مـ..
هز رأسه نافيًا ثم وضع يده على وجنتها قائلاً بجدية:
-ممنوع تعتذري تاني، ممنوع خالص فهمتي!
أومأت رأسها ثانيةً، فأخذ هو يمسح عبراتها الشاردة هذه و هو يتحدث بحنوٍ:
-و بعدين كفاية دموع لحد كدة، بجد بدأت أقلق أول مرة تعيطي كدة!
لم يقل أحدهما أي شيء آخر لأن الطائرة كانت قد استقرت بالقرب منهما، وخرج منها الطيار و هو يهتف بقلق:
-إنتم كويسين، أنا شوفتكم و انتم بـ..
لم يُرد صهيب أن يتابع، فقاطعه بحدة:
-آه إحنا كويسيين، اركب إنت و هنحصلك!
أومأ الرجل رأسه و ذهب، فحاول صهيب الوقوف، إلى أن استطاع أن يفعل بصعوية، ثم مد يده لها، فأمسكتها ثم وقفت، ليسيرا بعدها و يدخلا الطائرة من جديد..
حين ولجا للداخل أراد صهيب أن يعيد لها مرحها السابق، فسألها باسمًا:
-بس دونًا عن كل اللي حصل، إنك تقعي من الطيارة حاجة حلوة و لا وحشة؟
ابتسمت له و أجابت بهدوء:
-حاجة تحفة جدًا
تذكر صهيب أنه قد علم كل ما يجب عليه فعله في حالة حدوث خطأ حين يقفزا فهو كان قد جهز نفسه و علم كيف يقوم بتخفيف الوزن لكي تتحملهم، مع ذلك كان حملهما ثقيلاً عليها فوقعا بقوة و فقدا وعياهما..
لكنهما الآن بخير، و هذا هو أهم ما في الأمر..
-تيجي نكررها تاني؟
هزت رأسها نافيةً، فمد ذراعه خلف ظهرها، ثم سحبها إليه قائلاً بثقة:
-مش هتاخدي أكتر من أسبوع و تغيري رأيك أنا عارفك
أخذت نفسًا عميقًا و أجابته بهدوء:
-أنا عاوزة نفضل مع بعض، و دة الأهم عندي

.....

بعد بضع ساعات..

كانت جالسة في غرفتها تقرأ القرآن الكريم، في حين دلف هو عليها ممسكًا بشيءٍ ما في يده.. اقترب منها إلى أن جلس إلى جانبها، فتوقفت عن القراءة و نظرت له باسمة، حينها مد هو يده، ثم أخذ المصحف منها و وضع العلامة إلى حيث انتهت، ثم أغلقه وتركه بجانبها و رفع حاجباه و هو يمد يده ليمسك بيدها، وقد كانت تراقبه بصمتٍ دون أن تسأله عما يفعل،
أخرج خاتمًا 
من علبة حمراء كانت معه و ألبسها إياه، فارتفع حاجباها، لتسمعه يردف بجدية بعدها:
-جبت الاتنين دول إيه رأيك؟ مش المتجوزين بيلبسوهم برضوه؟
قالها و هو يريها خاصته فضحكت، فشرد في ضحكتها.. للحق اشتاق لضحكتها كثيرًا اليوم! لكنه تظاهر بالإنزعاج و ضيق عيناه قائلاً بتحذير:
-لو مش عاجبك يا هانم تقولي، مش تضحكي!
أخذت هي الخاتم الآخر الذي في العلبة الحمراء، و أمسكت يده و هي تلبسه إياه، ثم نظرت له قائلة بضحك:
-مش مش عاجبني! أنا مش قادرة أقول عجبني!
تظاهر بالبرود و رفع حاجباه و هو يقول:
-طب ما مانلفش و ندور و نقول إنه مش عاجبك؟
هزت رأسها نافية و على وجهها ابتسامة عذبة، ثم أجابته بجدية و هي تنظر للخاتم فى يدها:
-دة على أساس إن إحنا هنتشابه في كل حاجة و نختلف في الزوق! ثم من إمت أنا بخاف اقول رأيي بصراحة؟
-و أنا إيش عرفني إن زوقك مش أوحش من زوقي!
أبعدت هي المصحف و وضعته على الحاملة بجانبها، ثم نزلت من على السرير، لتقف أمامه فجأة وتدفعه على الفراش بقوة و هي تقول بوعيد:
-أنا زوقي وحش يا صهيب؟!
تظاهر بالخوف مَزحًا وهو يقول:
-لأ لأ دة مش حد هنا..! آآآ أقصد جويرية واحدة تانية!
رفعت حاجباها لأعلى و هي تسأله بترقب:
-و إنت تعرف جويرية تانية منين؟
-آآ لأ لأ آآآ مش قصدي..
-انطق منين!!!
لم يسيطر على نفسه أكثر و ضحك ثم سحبها إليه قائلاً بروية:
-لأ أنا اعرف واحدة بس اسمها جويرية، واحد كدة أستغفر الله لو غلطت معاها تاكلني!
قبلت هي وجنته كحركة مفاجأة، ثم نظرت له ثانيةً و هي تجيب:
-لأ مش هتاكلك شوفت هي طيبة ازاي؟

هز رأسه نافيًا و هو يرد عليها ساخرًا:
-جدًا الطيبة بتتنطط منها مقولكيش!
عقدت حاجبيها و نظرت له ببرود ثم قالت:
-تصدق الواحد ياكلك أحسن!

ضحك ثم جلس معها، و مد يده نحو العلبة الحمراء، أمسك بها و أعطاها إياها و هو يقول:
-لسة فيها حاجة ليكي

و قبل أن يقف قبل و جنتها هو الآخر ثم تركها مبتسمًا و دلف إلى الحمام..
أما هي ففتحت العُلبة، لتجد بداخلها ورقة مُزينة، ففتحتها و أخذت تقرأ ما فيها بخفوت..
"أما رأيتِ الماسَ لمعتهُ... كرقراق دمعات عيناكِ قيمتهُ
كوهج نجوم ليلٍ من الظلمات أضوته... و برغم نورها اختفت ابتسامته
فقد أضنى ظلام الليل عبرتكِ... و أفنى الدهر ينتظر ابتسامتكِ
أيا ماسة، أيا نجمة أما آن الأوان لتنفرج ابتسامتكِ و تدمع عيناكِ فرحًا بلا همٍ"..!!

أمسكت بالورقة بقوة في يدها، و أسرعت نحو الحمام، و أخذت تطرق الباب بقوة و هي تردف بجدية:
-اطلع يا صهيب، عارفة إنك مبتعملش حاجة اطلع!!

خرج ثم نظر لها و هو يحاول التظاهر بالجدية، و سألها بخفوت:
-في إيـ..

قاطعته و هي تضع يدها في خصرها، و تتحدث ببرود:
-مين علمك الشعر دة؟

تظاهر بعدم الفهم، و سار عدة خظواتٍ أمامها و هو يسألها:
-شعر إيه؟

فتحت الورقة مع أنها تعلم جيدًا أنه يفهمها، ثم سارت نحوه قائلة بهدوء:
-دة، و اللي قبله

أمسك الورقة ثم نظر لها بدون أن يتحدث، فكررت سؤالها، حينها اقترب منها و وضع يده على وجنتها قائلاً برفق:
-حبيبتي، أنا مش بعرف أكتب شعر، أنا بكتب اللي بشوفه و بحسه فيكي بس، لكن معرفش أكتب عن أي حاجة تانية عن حد غيرك!
-طب مش بتقف قدامي ليه لما بديهولي؟

هز كتفاه تلقائيًا و أجابها ببساطة:
-أنا عارف إنك مبتعرفيش تردي على المديح!
ابتسمت له، و أجابته بهدوء:
-بس إنت غير..

ثم ابتعدت عنه عدة خطواتٍ إلى أن وقفت أمام خزانتها، فتحتها و أخرجت من تحت ثيابها ورقة بيضاء مطوية، و ذهبت إليه و هي تتابع بنفس الهدوء مع نظراته المتعلقة بها:
-إنت غير..
ثم أعطته الورقة و ذهبت لتستلقي على الفراش و قد بدى عليها الإرهاق الشديد، أما هو فقد فتح الورقة بفضولٍ و أخذ يقرأ ما دون فيها بخفوت..
"إذا ما كان للأسرى قيودٌ.. فأسيرةٌ أنا في هواكَ حرةٌ بلا قيود

إذا ما كان العشق يُضني شاعِره.. فبربكَ سرى داخلي، شَفىَ سُقمي و أقامني كما العمود
إذا ما كان الحب فياضٌ فيه يغرق صاحبه.. تالله حُبك كان زورق، كان قارب، كان سدًا من السدود
تملكتني، و ما أدراكَ ما تملكي.. إذ يوجِب علي أن أخط العهود

عهدٌ بأن أُحبكَ، أَصونكَ، أَحفظكَ عِشتُ كُنتُ.. أم تحت الترابِ أُسقى بالدعاءِ و برحمةِ الودودِ
عهدٌ بأن أَسير في الدربِ دربُك حتى الخلاصِ.. من الدُنيا كان الأمرُ أم مِن طريقٍ بابهُ مسدود
أدنوا مِنك في المفترقِ أُرشدكَ.. أُخبركَ أن اليمينَ خيرهُ مشهود

تنظر إليَّ بهمكَ، أُبشركَ أن السعادة و إن الآن في الكفنِ.. فيومَ القيامةِ بعد الهُدى هي حقك الموعود
أبكي أمام الله كُل عشيةٍ أسأله من، خيرٍ لنا، و حياتنا، و الجود

و لا أُكبر في الصلاة إلا همسًا.. فصوت المأمومِ علاهُ غير محمود
و لأنك أنت الإمام فكما.. بلالٌ كن، و لا تكن بكنودِ
ما ينطبق على الأُلى يا سكني.. يختلف إن، سكنَ فؤادي فؤادُكَ إن أنت كنت بداخلي، فحبل الوِصالِ بيننا مشدود..."

كانت عيناه تبتسمان و كأنها تقرأ عن ملاذها الوحيد، أن يمتلك كل شيءٍ يُسعده بعد أن كان يمتلك كل شيءٍ بلا روح، يمتلك الأموال و قادرٌ على فعل ما يريد بها، يمتلك السُلطة، لكن الشيء الأهم كان يفتقده.. كان يفتقد السعادة، فما فائدة المال إذًا؟!

هذا الشعور الذي يأتي بعد أن يُحرم منه الإنسان طويلاً.. هذا الشعور بالسكينة التي لم تطأ قلبه إلا حديثًا.. هذا الشعور رائعٌ جدًا!

نظر للورقة لثوانٍ ثم عاد لينظر لها ليجدها قد قد ذهبت في سُباتٍ عميق.. يبدوا أنها كانت مرهقة جدًا. ضم الورقة بيديه و ذهب نحوها، و ما إن وصل إلى الفراش حتى استلقى بجانبها و هو ينظر لها بحنوٍ و بدأ يهمس:
-يا ريت قابلتك من زمان، أنتِ غيرتيلي حياتي بالكامل، بقت لا تقارن بحياتي من قبلك..

قربها إليه حتى استقرت بين ذراعيه، ثم طوقها برفقٍ و هو يغمض عينيه و يتابع بجدية:
-بس أنا قولتلك محدش فينا هيسيب التاني أبدًا.. أنا واثق في ربنا زي ما علمتيني.........!!!
.............................!!!!!

يتبع ....

يارب تكون حلقة النهارده عجبتكم وأستنونا كل يوم في نفس الميعاد فصل جديد من رواية عصفورة تحدت صقرا وعلشان تجيلكم الفصول بتسلسلها تقدروا تتابعونا من خلال صفحتنا علي الفيس بوك
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا

الاسمبريد إلكترونيرسالة